وليس المقصود بزوال الملك زواله حقيقة، بل زوال أحقيته وموجبه من قبل الله؛ لأن زوال الملك من اليهود لم يوافق ظهور نبي، أيًّا كان هذا النبي، فالمقصود زوال الاصطفاء والبركة.
ولا يمكن القول بأن شيلون هو موسى؛ لأن ملوك يهوذا كانوا بعده بقرون، ولا يمكن القول بأنه سليمان؛ لأن الملك دام بعده في ذريته، ولم ترفع به الشريعة، كما لم ترفع بالمسيح الذي ما جاء لنقض الناموس، ولم تخضع له شعوب، بل ولا شعب اليهودية الذين بعث إليهم فقال:(لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة)(متى ١٥/ ٢٤).
والمسيح عليه الصلاة والسلام لم يملك على بني إسرائيل يوماً واحداً، بل هرب منهم لما أرادوا تمليكه عليهم (لما علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً، انصرف أيضاً إلى الجبل وحده)(يوحنا ٦/ ١٥).
ولما ادعى عليه اليهود عند بيلاطس أنه يقول عن نفسه بأنه ملك نفى ذلك، وتحدث عن مملكة روحية مجازية غير حقيقية فقال:(مملكتي ليست من هذا العالم، لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود)(يوحنا ١٨/ ٣٦).
ولا يمكن أن يكون هذا النبي من بني إسرائيل؛ لأن مبعثه يقطع صولجان وشريعة إسرائيل، كما يفهم من النص، فمن ذا يكون شيلون؟
إنه النبي الذي بشرت به هاجر وإبراهيم (يده على كل واحد)(التكوين ١٦/ ١٢)، والذي قال عنه النبي حزقيال:(يأتي الذي له الحكم فأعطيه إياه)(حزقيال ٢١/ ٢٧).
وقد قال المسيح مبشراً بالذي ينسخ الشرائع بشريعته:(لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل، فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل)(متى ٥/ ١٧ - ١٨). هذا (الذي له الكل)، هو (الذي له الحكم).
وهو النبي الذي يسميه بولس بالكامل، ومجيئه فقط يبطل الشريعة وينسخها (وأما النبوات فستبطل، والألسنة فستنتهي، والعلم فسيبطل؛ لأننا نعلم بعض العلم، ونتنبأ بعض التنبؤ، ولكن متى جاء الكامل، فحينئذ يبطل ما هو بعض)(كورنثوس (١) ١٢/ ٨ - ١٠).