للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه فإن إسماعيل وأبناءه سكنوا هذه البلاد الممتدة جنوب الحجاز وشماله، وهو يشمل أرض فاران التي سكنها إسماعيل. كما وقد قامت الأدلة التاريخية على أن فاران هي الحجاز، حيث بنى إسماعيل وأبوه الكعبة، وحيث تفجر زمزم تحت قدميه، وهو ما اعترف به عدد من المؤرخين كما نقل عنهم المؤرخ الهندي مولانا عبد الحق فدرياتي في كتابه (محمد في الأسفار الدينية العالمية) ومن هؤلاء المؤرخين المؤرخ جيروم واللاهوتي يوسبيوس فقالا بأن فاران هي مكة (١). وجاء في قاموس Strong's Hebrew Bible Dictionary أن فاران في صحراء العرب، حيث يقول: ( Paran, a desert of Arabia).

٢- أن وجود منطقة اسمها فاران في جنوب سيناء لا يمنع من وجود فاران أخرى، هي تلك التي سكنها إسماعيل، فقد ورد مثلاً إطلاق اسم سعير على المنطقة التي تقع في أرض أدوم والتي هي حالياً في الأردن، وتكرر ذلك الإطلاق في مواضع عديدة في الكتاب، ولم تمنع كثرتها أن يطلق ذات الاسم على جبل في وسط فلسطين غربي القدس في أرض سبط يهوذا. (انظر يشوع ١٥/ ١٠).

ولنا أن نسأل أولئك الذين يصرون على أن فاران هي فاران سيناء: من هو القدوس الذي تلألأ من ذلكم الجبل الذي لا يرتبط بأدنى علاقة بأي من أحداث الإنسانية المهمة، فمن الذي تلألأ عليه؟

٣ - لا يقبل قول القائل بأن النص يحكي عن أمر ماضٍ؛ إذ التعبير عن الأمور المستقبلة بصيغة الماضي معهود في لغة الكتاب المقدس. يقول اسبينوزا: (أقدم الكتاب استعملوا الزمن المستقبل للدلالة على الحاضر، وعلى الماضي بلا تمييز، كما استعملوا الماضي للدلالة على المستقبل ... فنتج عن ذلك كثير من المتشابهات).

٤ - ونقول: لم خص جبل فاران بالذكر دون سائر الجبال، لو كان الأمر مجرد إشارة إلى انتشار مجد الله كما زعم بعض كتاب اليهود، فإن مجد الله لم يتوقف عند حدود فاران أو جبل سعير.

٥ - ومما يؤكد أن الأمر متعلق بنبوءة الحديث عن آلاف القديسين، والذين تسميهم بعض التراجم (أطهار الملائكة) أي: أطهار الأتباع، إذ يطلق هذا اللفظ ويراد به: الأتباع، كما جاء في سفر الرؤيا أن (ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنينُ وملائكتُه ... ) (الرؤيا ١٢/ ٧).

فمتى شهدت فاران مثل هذه الألوف من الأطهار إلا عند ظهور محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟

٦ - وما جاء في سفر حبقوق يؤيد قول المسلمين حيث يقول: (الله جاء من تيمان، والقدوس من جبل فاران. سلاه. جلاله غطى السماوات، والأرض امتلأت من تسبيحه، وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع، وهناك استتار قدرته، قدامه ذهب الوبأ، وعند رجليه خرجت الحمى، وقف وقاس الأرض، نظر فرجف الأمم ... ) (حبقوق ٣/ ٣ - ٦).

فالنص شاهد على أنه ثمة نبوة قاهرة تلمع كالنور، ويملأ الآفاق دوي أذان هذا النبي بالتسبيح.

وتيمان كما يذكر محررو الكتاب المقدس هي كلمة عبرية معناها: (الجنوب)، لذا يقول النص الكاثوليكي للتوراة: (الله يأتي من الجنوب، والقدوس من جبل فاران)، ولما كان المخاطبون في فلسطين فإن الوحي المبشر به يأتي من جهة الجنوب أي من جزيرة العرب، فالقدوس سيبعث في جبل فاران.

ومن هذا كله فالقدوس المتلألئ في جبال فاران هو نبي الإسلام، فكل الصفات المذكورة لنبي فاران متحققة فيه، ولا تتحقق في سواه من الأنبياء الكرام.


(١) انظر ((محمد في بشارات الأنبياء)) (ص١٤) , محمود الشرقاوي،.

<<  <  ج: ص:  >  >>