للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا المثل العجيب من المسيح (مثل الكرامين) يحكي تنكر اليهود لنعم الله واصطفائه لهم، بقتلهم أنبياءه وهجر شريعته، ويحكي انتقال الملكوت إلى أمة تقوم بأمر الله تعالى، وتقوى على أعدائها وتسحقهم.

وهذه الأمة مرذولة محتقرة (الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية)، لكن الله اختارها رغم عجب اليهود من تحول الملكوت إلى هذه الأمة المرذولة، لكنه قدر الله العظيم (من قبل الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا) ..

فمن تكون هذه الأمة المرذولة؟ إنها أمة العرب، أبناء الجارية هاجر، التي يزدريها (الكتاب المقدس)، فقد قالت سارة: (اطرد هذه الجارية وابنها؛ لأن ابن الجارية لا يرث مع ابني إسحاق) (التكوين ٢١/ ١٠).

وقال بولس مفتخراً على العرب محتقراً لهم: (ماذا يقول الكتاب؟ اطرد الجارية وابنها؛ لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة، إذاً أيها الإخوة: لسنا أولاد جارية، بل أولاد الحرة) (غلاطية ٤/ ٣٠ - ٣١).

وقد ضرب المسيح المزيد من الأمثال للملكوت القادم، فبيَّن في مثل آخر أنه ليس في بني إسرائيل الأمة التي لم تستحق اصطفاء الله لها، يقول متى: (جعل يسوع يكلمهم أيضاً بأمثال قائلاً: يشبه ملكوت السموات إنساناً ملكاً صنع عرساً لابنه، وأرسل عبيده ليدعوا المدعوين إلى العرس، فلم يريدوا أن يأتوا، فأرسل أيضاً عبيداً آخرين قائلاً: قولوا للمدعوين: هو ذا غذائي أعددته، ثيراني ومسمناتي قد ذبحت، وكل شيء معدٌّ، تعالوا إلى العرس.

ولكنهم تهاونوا ومضوا، واحد إلى حقله، وآخر إلى تجارته، والباقون أمسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم.

فلما سمع الملك غضب وأرسل جنوده، وأهلك أولئك القاتلين وأحرق مدينتهم، ثم قال لعبيده: أما العرس فمستعد، وأما المدعوون فلم يكونوا مستحقين، فاذهبوا إلى مفارق الطرق، وكل من وجدتموه فادعوه إلى العرس.

فخرج أولئك العبيد إلى الطرق، وجمعوا كل الذين وجدوهم أشراراً وصالحين، فامتلأ العرس من المتكئين، فلما دخل الملك لينظر المتكئين رأى هناك إنساناً لم يكن لابساً لباس العرس، فقال له: يا صاحب، كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس؟ فسكت، حينئذ قال الملك للخدام: اربطوا رجليه ويديه وخذوه، واطرحوه في الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان؛ لأن كثيرين يدعون، وقليلين ينتخبون) (متى ٢٢/ ١ - ١٤).

وفي مثل آخر بين لهم أنواع الناس في قبول الملكوت والإذعان له، ودعاهم لقبوله والإذعان له، فقال: (فكلمهم كثيراً بأمثال قائلاً: هو ذا الزارع قد خرج ليزرع، وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق، فجاءت الطيور وأكلته.

وسقط آخر على الأماكن المحجرة، حيث لم تكن له تربة كثيرة، فنبت حالاً؛ إذ لم يكن له عمق أرض، ولكن لما أشرقت الشمس احترق، وإذ لم يكن له أصل جف.

وسقط آخر على الشوك فطلع الشوك وخنقه.

وسقط آخر على الأرض الجيدة، فأعطى ثمراً، بعض مائة، وآخر ستين، وآخر ثلاثين، من له أذنان للسمع فليسمع ...

فاسمعوا أنتم مثل الزارع، كل من يسمع كلمة الملكوت ولا يفهم، فيأتي الشرير ويخطف ما قد زرع في قلبه، هذا هو المزروع على الطريق.

والمزروع على الأماكن المحجرة هو الذي يسمع الكلمة وحالاً يقبلها بفرح، ولكن ليس له أصل في ذاته بل هو إلى حين، فإذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة فحالاً يعثر.

والمزروع بين الشوك هو الذي يسمع الكلمة، وهم هذا العالم وغرور الغنى يخنقان الكلمة، فيصير بلا ثمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>