للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقوم هذا الموضوع على ما نسب لعيسى عليه السلام من أقوال يثبت فيها صفاتٍ وأسماء لله نفاها هو عن نفسه عليه السلام، فإضافة إلى كل عوارض البشرية التي طرأت على المسيح وتطرأ عليه- مما سوف يمر- والدالة على الحدوث والتغير من حالٍ إلى حالٍ، وأنه لا يختلف في شيء عن غيره من الرسل إلا ما اختصه الله به. إضافة إلى ذلك جاء في الأناجيل:

١ - قوله: (فقال (أي: عيسى) لها (لأم ابني زبدي) ماذا تريدين؟ قالت له: قل، أن يجلس ابناي هذان واحداً عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك. فأجاب يسوع وقال: لستما تعلمان ما تطلبان، أما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعدِّ لهم من أبي)

قوله: (فأجاب يسوع وقال لهم: الحق أقول لكم، لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الأب يعمل). وقال: (ليس كل من يقول: يا رب. يدخل ملكوت السموات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات).

ففي النصوص السابقة نفى عيسى عليه السلام القدرة على إدخال من شاء ملكوت الله، وأبان أنه لا يدخل ملكوت الله إلا من أراد الله وحده له ذلك، وليس ذلك للمسيح؛ لأن مشيئة المسيح تحت مشيئة الله، وقدرته تحت قدرة الله كما في النص- الآنف الذكر- حيث يقول: (لا يقدر الابن (المسيح) أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الأب (الله) يعمل) فالله وحده - سبحانه - هو القادر على كل شيء قدرة تليق بجلاله وعظمته. وقد جاء في نص آخر: (لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله). وكذا القول المنسوب إلى المسيح عليه السلام نفسه (عند الناس غير مستطاع، ولكن ليس عند الله؛ لأن كل شيء مستطاع عند الله).

أما قدرة المسيح فهي قدرة محدودة تناسب مقامه، وليس له إلا ما أقدره الله عليه. ومشيئة المسيح تحت مشيئة الله وبإذن الله، كما قال المسيح، فيما نسب إليه: (يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت). نسب إلى عيسى في الإنجيل قوله: (لا يقدر أحد أن يُقبل إلي إن لم يجتذبه الأب الذي أرسلني). فهنا الاجتذاب أو الهداية هداية توفيق خاصة بالله سبحانه وتعالى، وليس للمسيح أن يهدي أحداً إلا أن يشاء الله له الهداية على يد المسيح أو غيره.

٢ - نسب إلى عيسى قوله: (وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب). وفي نصٍ آخر عن الموضوع نفسه: (إلا أبي وحده)، وهذه النصوص في سياق إخباره لبني إسرائيل عن تهدم الهيكل. فعيسى هنا يخبر النصارى بأمر مستقبلي- وإن صح النقل عنه فهو بإعلام الله له- وعلى الرغم من هذا حينما سُئل عن وقت التهدم نفى علمه بوقت ذلك، وأخبر أنه لا أحد يعلم ذلك لا الملائكة ولا هو عليه السلام، وإنما الذي يعلم ذلك هو علام الغيوب وحده، وهو الله سبحانه وتعالى، وليس للمسيح من علم الغيب شيء إلا ما أطلعه الله عليه.

وجاء في نص آخر (وفي الغد لما خرجوا من بيت عينا جاع فنظر شجرة تينٍ من بعيد عليها ورق، وجاء لعله يجد فيها شيئاً، فلما جاء إليها لم يجد شيئاً إلا ورقاً؛ لأنه لم يكن وقت التين). فسبحان الله هذا النص ظاهر جلي في بشرية عيسى عليه السلام ونفي لألوهيته من وجوه منها:

أنه لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، فلو كان إلهاً- تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيراً- لما كلف نفسه مشقة الذهاب إلى الشجرة الخالية من إثمار التين.

- ثم لو كان إلهاً لعلم أن هذا ليس وقت إثمار أشجار التين، فهل يجهل الإله أمراً كهذا؟

- ثم لو كان إلهاً لأمر الشجرة أن تنبت تيناً فأنبتت.

- ثم هل الإله يجوع؟ إن هذا نقص في إلههم المزعوم، أما الله الإله الحق فهو الغني جلَّ وعلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>