للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد عرف أعداء الإسلام أنه ما دامت اللغة العربية حية في نفوس الناس، فإنهم لا يزالون قادرين على فهم الإسلام، ومن هنا نجد أن أعداء الإسلام حاولوا بكل ما أوتوا من الحيل والخداع للغض من شأنها، والتشجيع على تركها بالكلية، فهي تقض مضاجعهم، ومن العجيب أن يسميها المستعمرون الفرنسيون والبريطانيون في مستعمراتهم في أفريقيا بأنها لغة المستعمر، فأي بلد الآن في الدنيا يستعمره العرب، ولكن كما قيل في المثل (رمتني بدائها وانسلت). ومن المؤسف أن يتنكر بعض المسلمين عربا أو عجما لهذه اللغة الكريمة، ويحاربونها متأثرين بشبهات أعدائهم من المنصرين واليهود، واللغة العربية وإن كانت تقلق أعداء الإسلام في الدول الشرقية والغربية على حد سواء، ولكنهم مع عداوتهم لها يهتمون بها اهتماما عظيما، فهم يقبلون على تعلمها بنهم شديد، بغرض التصدي للإسلام وأهله، ولمحاربتهم بنفس لغتهم وأساليبهم، وبذلوا في ذلك جهودا جبَّارة حتى صار منهم عباقرة في اللغة العربية نثرا ونظما، وألَّفوا المعاجم المطولة فيها، وفتحوا مدارس عديدة لتعليمها ممن يقع عليه اختيارهم من النابهين منهم، وأتموها بجامعات ودراسات عليا لتخريج المستشرقين والمنصرين ومن تبعهم، لبثهم في العالم الإسلامي مزودين بشبهات أملتها يد الحقد على الإسلام، ومخاصمين المسلمين بلغتهم التي يفهمونها؛ لكي يكسر الشجرة أحد أغصانها، كما أوصاهم (زويمر).

ولقد أوعز المستشرقون إلى عملائهم من العرب أن يعتبروا اللغة العربية هي السبب في تخلف الشعوب العربية؛ لأنها معقدة، وليس فيها سلاسة العامية وسهولتها التي يجيدها عرب اليوم.

وكان للشعر النبطي والأزجال العامية حظ الأسد في مقارعة المستشرقين للغة العربية، فهم يوصون دائما بتجديد اللغة، أي: إدخال اللهجات المحلية، والتخاطب بها محل العربية، وقيامها على العامية شعرا ونظما، وتُوِّجت تلك الدعوات لإقصاء العربية بما أحدثه الحداثيون من تعابير ملتوية، ودسائس لا يدركها إلا المتخصصون في دراستها من أمثالهم، حيث يتفاهمون بها، كما تتفاهم البهائم فيما بينها.

والمستشرقون لا يخفون فخرهم في إحلالهم العامية محل العربية، بأنه يعود إلى تأثير الحضارة الأوروبية وأدبائها، وأن الفضل في هذه الحركة في البلاد العربية إنما يعود للمفكرين الأوربيين.

المصدر:المذاهب الفكرية لغالب العواجي ١/ ٣٩٣ - ٤٥٤ بتصرف

<<  <  ج: ص:  >  >>