[المطلب الثاني: أسباب انتشار المذاهب الفكرية في العالم الإسلامي]
عرفت مما سبق أنه إذا كان للغرب من وجهة نظرهم ما يبرر قيامهم بالثورات على الدين – والمقصود به الدين النصراني الوثني الخرافي بطبيعة الحال – ولهم ما يبرر قيامهم بالثورات على رجال ذلك الدين ولهم كذلك ما يبرر نشوء مختلف المذاهب الفكرية بينهم إذا كان لأولئك مبررات في كل ذلك سواء أكانت مبررات مقبولة أو غير مقبولة فما هو المبرر لقيام تلك الأفكار والمذاهب في بلدان من أغناهم الله بالإسلام وأعزهم به في الدنيا والآخرة وشهد له إعلام الغرب من الموافقين ومن الحاقدين بأنه خير دين ينظم الحياة كلها وأن تعاليمه ونظمه فيها السعادة وحل كل المشكلات بطرق لن يهتدي إلى مثل عدالتها أحد من البشر؟!!
إنه لأمر غريب أن يتطفل أحد من المسلمين على موائد الغرب الآسنة ليبحث فيها عن النجاة والسعادة في الوقت الذي يرى بأم عينيه ما يعانيه الغرب من الشقاء والحرمان والحياة اليائسة.
أَفَحُكمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:٥٠]
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا [النساء:١٣٩]
نعم إنه لا مبرر لقيام تلك المذاهب في ديار المسلمين ولكن قد حصل ذلك شئنا أم أبينا فما هي أسباب ذلك؟ إن أعظم أسباب تأثر بعض المسلمين بما عند أعداء الإسلام إنما يعود إلى:
١ـ جهل هؤلاء بدينهم وما يحويه من مفاخر وما يحويه من شمولية كاملة حيث شهد الله تعالى له بهذا في كتابه الكريم بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة:٣] فمن رد هذه الشهادة فلا شك في جهله وكفره وخروجه عن ربقة الإسلام وجماعة المسلمين وأنت تعلم أن هذا الجهل من هؤلاء يعود إلى أسباب كثيرة إما لتفريطهم وإهمالهم وإما لتربيتهم وإما لاختلاطهم وإما لغير ذلك من الأسباب الكثيرة.
٢ـ جهلهم بحقيقة ما تحمله تلك المذاهب الضالة من بؤس وشقاء وأنهم تأثروا بها دون معرفة لحقيقتها المخزية وما تحمله من دمار أخلاقي واقتصادي واجتماعي وديني وكل شيء يمت إلى الطريق الحق والصراط المستقيم فأصبح حالهم تنطبق عليه هذه المقالة "حبك الشيء يعمي ويصم" ولا يمنع أن هؤلاء عملاء مأجورين أيضا ما أكثر أولئك الذين باعوا دينهم وضمائرهم.
٣ - من الأسباب أيضا رغبة هؤلاء في الانفلات والتحلل من كل القيم والأخلاق والعادات الحسنة والفضائل ورغبتهم في العيش على الطريقة الغربية يعيشون كما تعيش البهائم ويأكلون كما تأكل الأنعام دون أن يقف في طريقهم أي مانع شرعي أو عرفي.
٤ـ نشاط أعداء الإسلام وقوة عزمهم على إفساد عقائد المسلمين وإخراجهم من دينهم بأنواع الدعايات والمغريات.
٥ـ بذل المساعدات المالية وتحبيب الحياة الغربية إلى قلوب المسلمين وتنفيرهم من حياتهم الإسلامية وبث الدعايات ضد الإسلام وحكام المسلمين وعلماء الإسلام قاطبة فقد صوروا لهم الإسلام أنه هو الواقف حجر عثرة في طريق تقدم المسلمين ونهوضهم ووصولهم إلى صنع الطائرات والصواريخ و ... إلخ وصوروا لهم علماء الإسلام أنهم متخلفون وجامدون إلى غير ذلك من أنواع الدعايات الخبيثة التي سرت في عروق كثير من جهال المسلمين.
٦ـ تأخر بعض بلدان المسلمين في مناهجهم التعليمية حيث أقصيت كل الدراسات – إلا القليل - التي تبصر المسلم بما يبيته له الغرب على أيدي عملائه من المنصرين والمستشرقين ومن وافقهم ممن يدعي العروبة أو الإسلام.
٧ـ الضعف النفسي الذي أصاب المسلمين وانبهارهم ببريق الحضارة الغربية ورغبة المغلوب في تقليد الغالب ومحاكاته لجبر ما يحس به من ضعف الشخصية أمامه.
٨ـ الضغوط الشديدة التي يتعرض لها ضعفة المسلمين باستمرار في أكثر من بلد إسلامي وإملاء الكفار لأفكارهم على تلك الشعوب لتقبلها راغبة أو راهبة وغير ذلك من الأسباب الكثيرة التي تضافرت لتهز من كان في قلبه مرض هزا عنيفا. ولكننا على يقين أن الحق سيبقى وأتباعه سيبقون إلى نهاية هذا الكون بإخبار الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بذلك.
المصدر:المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي ١/ ٦٧