[حادي عشر: دعوى الإسلام الليبرالي]
تعود جذور التقريب بين الإسلام والليبرالية إلى القرن التاسع عشر حيث تفككت الدولة العثمانية، واحتلت أكثر البلاد الإسلامية، وظهرت فيه قوة الغرب المادية، وضعف البلاد الإسلامية، وبرز فيه السؤال الفكري الشهير " لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ ".
وقد تمت عملية التقريب بين الإسلام والليبرالية في أجواء من الهزيمة النفسية أمام الغرب المنتصر، والذي أسر عقول الكثير من أبناء المسلمين في تلك الفترة، وجعل المقارنة بالغرب محمدة ومنقبة، وخاصة أنه صدم تلك الأجيال بأنواع جديدة من المعارف والعلوم في زمن ضعف العلم وانتشار الجهل وجمود التفكير وظهور التقليد من جراء آراء الفرق الضالة، والتعصب المذهبي، والاستبداد السياسي الذي سبق الكلام عنه.
وقد حصل التقريب بين الإسلام والليبرالية من طرفين:
أحدهما: "الحركة التلفيقية "
التي حصلت على يد محمد عبده وتلاميذه في التقريب بين الإسلام والحضارة الغربية وهي المعروفة " بالحركة الإصلاحية "، وقد انتهت بتحول تلاميذ محمد عبده إلى الليبرالية الصرفة.
والثاني: " الاستعمار "
وخاصة بعد دخول الولايات المتحدة للهيمنة على المنطقة بعد خروج الاستعمار البريطاني والفرنسي منها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وظهور الشيوعية ممثلة في الاتحاد السوفيتي كتحدي جديد لليبرالية الغربية.
وقد استفاد الاحتلال والقوى الاستعمارية مما يسمى الحركة الإصلاحية وقام بتوجيهها لتحقيق أهدافه في إضعاف المفاهيم الإسلامية الصحيحة في النفوس والقضاء على الوحدة الإسلامية.
أولا: المشروع الأمريكي لقضية الإسلام الليبرالي:
اهتمت الولايات المتحدة بتفسير الإسلام تفسيرا ليبراليا منذ وقت مبكر، لأن ذلك يحقق كثيرا من المصالح الحيوية لهيمنتها، فهي تعلم أن إقصاء الإسلام تماما من البلاد الإسلامية أمر مستحيل لقوة تأثيره وتعلق المسلمين به فوجدت في التبديل والتحريف له أنجح السبل للقضاء على فاعليته وتأثيره. ومن جهة أخرى فإن تفسير الإسلام وتأويله تأويلا ليبراليا يقوي علاقة هذه البلاد وشعوبها بالحضارة الغربية وقيمها مما يضمن عملية استمرار الخضوع لها.
ونشير هنا إلى بعض الوثائق والأعمال الأمريكية في هذا المجال:
مؤتمر الشرق الأدنى مجتمعة وثقافته، مارس ١٩٤٧م.
مؤتمر الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة ١٩٥٣م.
دراسة " الإسلام في العصر الحديث " (ولفرد كانتول سميث).
دراسة " الليبرالية الإسلامية: نقد للآيديولوجيات التنموية " ليوناردبايندر.
تقرير مؤسسة راندا الأمريكية عن الإسلام الديمقراطي.
والأهداف الحقيقية لهذا المشروع يمكن بيانها من خلال ما يلي:
أولا: إعادة ترتيب أوضاع المنطقة لتتقبل النموذج الليبرالي في الشأن السياسي (الديمقراطي)، والشأن الاقتصادي (الرأسمالية) لظنهم أن تطبيق الليبرالية في هذه البلاد الشرق أوسطية سيخفف الاحتفال الشعبي وبالتالي يفقد الإرهابيين (المجاهدين) التأثير على الشعوب الإسلامية في المنطقة.
ثانيا: تهيئة المنطقة للعولمة ودخول الشركات الغربية في أسواقها لزيادة الكسب، وحل مشكلة الفائض في الاقتصاديات الغربية، والبحث عن اليد العاملة الرخيصة.
ثالثا: العمل على تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة من خلال الاقتصاد والشراكة في حلف جديد غير مرتبط بهوية دينية أو قومية.