[رابعا: هل نجحت الوطنية في تأليف القلوب؟]
إن الوطنية من الشعارات الزائفة وهي أقل وأذل من أن تؤلف بين القلوب حينما تبتعد عن هدي خالقها وتعرض عن دينه القويم وما يجري في البلاد الإسلامية وغيرها من بطش أصحاب الوطن الواحد بعضهم ببعض عند قيام الفتن لهو أقوى شاهد على فشل الالتفاف حول الوطنية وأنها دعوى عنصرية لا تلين لها القلوب ولا تدمع لها العيون.
إن جمع الناس على الوطنية – بعيدا عن الدين الإلهي – هو ضرب من الخيال الساذج والسراب الكاذب لأن الله عز وجل لا يصلح عمل المفسدين وقد أخبر سبحانه وتعالى أن الألفة بين القلوب أمر بعيد المنال إذا لم يوجد العامل الصحيح في إيجاد ذلك وقد امتن الله عز وجل على عباده باجتماع كلمتهم على الدين فقد قال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:١٠٣].
وقال تعالى ممتنا على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بما وصل إليه المؤمنون من تآلف قلوبهم: وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:٦٢ - ٦٣].
وأين هذا التآلف العجيب الذي كان أحدهم يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة والذي جعل الشخص المسلم يقدم نفسه دون أخيه في كل شيء والذي جعلهم كالجسد الواحد، وكالبنيان المرصوص أين هذا التآلف من دعوى التآلف على الوطنية القائمة على الجهل والغرور والكبرياء والبغي بغير الحق وتبادل المنافع أليس فاقد الشيء لا يعطيه؟
إن الوطنية لم تقم على تقوى الله تعالى ولا على الخوف منه عز وجل أو الحب فيه وإنما قامت على نزعات الشيطان. والشيطان يهدم ولا يصلح ويفرق القلوب ولا يجمعها فمن أين إذاً يأتي التآلف والمحبة بين أفرادها إنك لا تجني من الشوك العنب.
وإذا كان ما قدمنا دراسته عن القومية يعطي صورة واضحة عن فشلها وبعدها عن أهداف الدين الحنيف الذي يقول للناس: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:٩٢].
إذا كان ما قدمنا يدل على خيبة القومية وهي الأصل فما هو الظن بالوطنية وهي المتفرعة عن القومية لا ريب أنهما نبتتان خبيثتان لا تقدمان إلا خبثا: وَاللهُ يَدْعُو إلى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [يونس:٢٥].
أرأيتم لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم – وحاشاه – تعصب لقومه ولوطنه مكة من كان سيوصل الإسلام إلى المدينة المنورة ولو أن الصحابة رضي الله عنهم تعصبوا لأوطانهم في الحجاز من كان سيوصل الإسلام من المحيط الهندي إلى المحيط الأطلسي بل لو تعصب المسلمون لقومياتهم وأوطانهم فما الذي سيقدمونه للناس إن قدر لهم أن يفتحوا بلدانهم؟
وانظر في كتاب الله عز وجل هل تجد آية خاطب الله فيها قوما أو وطنا أو جنسا على جنس بطريقة التعصب والقومية أو الوطنية أو الإشادة أو تجد في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم شيئا من ذلك؟ كلا.
بل ستجد قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:١٠٢ - ١٠٣].
وستجد: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:١٣].
وستجد إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:٩٢].
وستجد آيات كثيرة كلها تنادي البشر بأنهم على حد سواء أمام الله تعالى وأن التفاضل بينهم عند الله لا يكون إلا بالتقوى وأن التفاخر والتعالي إنما هو من طبيعة الشيطان ومن يتبعه كما ستجد في السنة النبوية مثل هذا المفهوم الحق – وقد مر ذكر أحاديث في ذلك – والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
المصدر:المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي ٢/ ٩٧٨