للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثالثا: لمحة موجزة عن تاريخ الحداثة في الغرب]

على الرغم من الاختلاف بين الكثير ممن أرخوا للحداثة الأوربية حول بدايتها الحقيقية وعلى يد من كانت, فإن الغالبية منهم يتفقون على أن تاريخها يبدأ منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي على يدي بودلير، وهذا لا يعني أن الحداثة قد ظهرت من فراغ، فإن من الثابت أن الحداثة رغم تمردها وثورتها على كل شيء، حتى في الغرب، فإنها تظل إفرازاً طبيعياً من إفرازات الفكر الغربي، والمدنية الغربية التي قطعت صلتها بالدين على ما كان في تلك الصلة من انحراف، وذلك منذ بداية ما يسمى بعصر النهضة في القرن الخامس عشر الميلادي، حين انفصلت المجتمعات الأوربية عن الكنيسة، وثارت على سلطتها الروحية التي كانت بالفعل كابوساً مقيتاً محارباً لكل دعوة للعلم الصحيح، والاحترام لعقل الإنسان، وحينها انطلق المجتمع هناك من عقاله بدون ضابط أو مرجعية دينية، وبدأ يحاول أن يبني ثقافته من منطلق علماني بحت فظهرت كثير من الفلسفات والنظريات في شتى مناحي الحياة. وطبيعي ما دام لا قاعدة لهم ينطلقون منها لتصور الكون والحياة والإنسان، ولا ثابت لديهم يكون محوراً لتقدمهم المادي، ورقيهم الفكري والحضاري، أن يظهر لديهم كثير من التناقض والتضاد، وأن يهدموا اليوم ما بنوه بالأمس ولا جامع بين هذه الأفكار إلا أنها مادية ملحدة، ترفض أن ترجع لسلطان الكنيسة الذي تحررت من نيره قبل ذلك.

المصدر:الحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص٢٧، ٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>