[خامسا: مزاعم الاشتراكيين ودعاياتهم]
للاشتراكيين على اختلاف مفاهيمهم للاشتراكية قاسم مشترك يتفقون عليه في مغالطاتهم وخدعهم للناس وتحبيب الاشتراكية إليهم وقد تبدو الأمور التي يدعون إليها أنها فرصة ثمينة لإسعاد البشرية ولكنها سحابة صيف أو فقاقيع منفوخة بالهواء لقد انكشف زيفها واضمحل بريقها بعد التجارب المريرة التي مرت بالبشرية منذ تأسيسها إذ نقلتهم من سيء إلى أسوأ ومن طبقات متآلفة إلى طبقات متصارعة ومن فقر وغنى إلى فقر مدقع، وخلاصة تلك المزاعم تتمثل فيما يلي:
١ - المساواة الاقتصادية بين جميع الأفراد بلا تمييز بينهم في القومية أو الجنس أو السن.
٢ - محو استغلال الفرد أو الجماعة أو الدولة للفرد.
٣ - إلغاء الملكية الفردية للأرض بما عليها وما فيها من كنوز وثروات وجعلها بيد الدولة فقط يسمح بتحقيق العدالة في التوزيع بين الجميع.
٤ - منح الحق لكل إنسان أن يستخدم كل وسائل الإنتاج علمية أو فنية. ٥ - قيام الدولة الاشتراكية ذاتها لتتحول إدارة الجهود والإنتاج الفردية إلى إدارة موحدة وتصبح الدولة هي المالكة الوحيدة لجميع الثروات ووسائل الإنتاج وجميع المرافق الاقتصادية الأخرى وتتولى استثمارها (١)، وبالتالي تحصل السعادة المنشودة.
تلك هي أهم الأمور التي تدور حول مفاهيم الاشتراكية وتحبيبها إلى الناس.
أما المساواة الاقتصادية بين جميع الأفراد فقد حققها الاشتراكيون ولكن على الجانب الآخر فقد استطاعوا أن يساووا بين الناس في الفقر ولكنهم لم يستطيعوا أن يساووا بينهم في الغنى لأن الهدم دائما أسهل من البناء وحال الشعوب السوفياتية بعد انجلاء غمة الاشتراكية عنهم أقوى شاهد على ذلك.
أما محو استغلال الفرد من قبل الأفراد الآخرين أو الجماعة أو الدولة فهي كذبة واضحة حيث أن الدولة استغلت الأفراد من اللحم إلى العظم حتى أصبح الفرد مثله مثل أي قطعة استهلاكية وأي استغلال أقوى من أن الفرد لا يأكل أي وجبة إلا ببطاقة ولا يملك سكنا ولا غيره إلا مع الجماعة بل وقد يقتل بكل بساطة أمام زملائه إذا اتضح قصوره في العمل.
وكذا إلغاء الملكية الفردية للأرض نعم حققتها الاشتراكية حتى أصبح الناس كلهم لا يملكون شيئا وأصبحت الأرض ومن عليها من شجر وبشر ملكا للدولة وهو ما كان عليه الحال زمن الإقطاع تماما.
وأما منح الحق لكل إنسان أن يستخدم كل وسائل الانتاج علمية أو فنية فنعم ولكن عمله ليس له إنما هو يعمل كما تعمل الآلة بلا كلل ولا ملل لحساب الدولة التي أممت كل شيء وسدت كل باب للملكية الفردية، وما دام المصب واحد فلا يضر اختلاف المجاري أو على حد ما قاله الخليفة العباسي للسحابة: "أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك".
٦ - ومن أكبر مزاعمهم قولهم أن الاشتراكية إنما قامت في رد فعل ضد الرأسمالية إثر ظهور الثورة الصناعية التي أسهمت في شقاء العمال والكادحين حيث أدت إلى زيادة ساعات العمل وانخفاض الأجور مما تسبب في إلحاق كوارث بالعمال وخيمة وأنه لم يكن لهم مخرج من تلك الأوضاع ولا منقذ غير الانضواء تحت راية الاشتراكية الماركسية ونبذ النظام الرأسمالي الذي لا يرحم الفقراء ولا يعترف بحقوقهم ولكن وضع دعاة الاشتراكية هذا يصدق عليهم المثل القائل " إذا كان بيتك من زجاج لا تراجم الناس " إذ بإمكان أي رأسمالي أن يقول للاشتراكيين ألم تروا حال العمال والكادحين لديكم ومدى البؤس والشقاء الذي حل بهم؟ إضافة إلى أنكم حولتم العامل من إنسانيته إلى أن جعلتموه قطعة من أدوات الإنتاج لا قيمة له إلا من خلال سلوكه وعمله مع المجموعة.
فظهر أن النظامين معا جائرين ظالمين لا خير فيهما ولا رحمة حقيقية فيهما على الفقراء.
المصدر:المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي ٢/ ١٠٣٣
(١) انظر ((حركات ومذاهب في ميزان الإسلام)) (ص ٤٢).