[ثالثا: أثر الديمقراطية على الأوربيين والحكم عليها]
يتبين الحكم عليها من خلال جانبين هما
١ - الجانب الإيجابي على الأوربيين
فقد عرفت حال أهل أوربا حينما كان رجال الدين وزعماء الإقطاع هم المسيطرون، ومدى ما قاسته الشعوب على أيديهم من أنواع الظلم الفادح والغبن الفاحش. وأن أولئك الطغاة لم يستيقظوا إلا على هدير الجماهير الصاخبة المطالبة برفع تلك الأغلال والأثقال بعد أن أفاق أولئك البؤساء ورأوا أوضاعهم المتردية وأحوالهم المعيشية المخزية فثاروا على تلك الأوضاع – وهم على صواب في ذلك – غير ما أخذ عليهم من أنهم لم يتوجهوا الوجهة الصحيحة التي تضمن لهم الخروج النهائي عن حكم البشر بعضهم لبعض واتخاذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله تعالى كما تبين من خلال الدراسة السابقة وقد عرفت أنهم أخذوا ينبشون عن أمجادهم السابقة علهم يجدون الخلاص فكان ذلك الخلاص هو العودة إلى الديمقراطية التي أماتها رجال الدين النصراني حينما كانت الغلبة لهم فكان أن استبدلوا بجاهليتهم القديمة جاهليتهم الحاضرة وتحت هذه الدعوى الخيالية – حكم الشعب نفسه بنفسه – بدءوا يرتبون لترقيتها وتطويرها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم بل واجتذبت إلى صفوفها أعدادا غفيرة بعضهم ما كان في حاجة إلى السير في ركابها كما كان الأوربيون في حاجة إليها حقيقة. وأن الأوربيين بدءوا في تنظيم حياتهم من نقطة الصفر كلما حققوا مكسبا تطلعوا إلى غيره ولا يأخذونه إلا بعد جهاد مرير وتلك المكاسب استخرجوها بقوتهم لم تمنحهم إياها الديمقراطية ابتداء كما يتصور البعض أن الديمقراطية مذهب نشأ في صورته الحالية وأنه لا ينقصه إلا التطبيق ومهما كان الأمر فإن ما وصلت إليه الشعوب الأوربية رغم نقصه يعتبر نصرا مؤزرا لهم وفاتحة طيبة للخلاص من حكم الإقطاع والبابوات الظالمين وبعض الشر أهون من بعض كما تقدم ذكره وما تقدم يمكن أن يعتبر جانبا إيجابيا في الديمقراطية بالنسبة للغرب رغم ما فيه من سلبيات.
٢ - الجانب السلبي على الأوربيين
فقد تبين من خلال الدراسة السابقة أن الديمقراطية تحمل في ظاهرها بريقا خلابا ولكن في حقيقتها هي عكس ذلك.
١ - أما بالنسبة لموقف السلطة وأصحاب الجاه والثراء فقد أتضح أن هؤلاء عرفوا كيف يحتالون على الشعوب ويوجهونهم لمصالحهم الخاصة قبل مصالح الشعوب الحقيقية بحيث يوهمون الشعوب أنهم حصلوا على كل ما كانوا يطالبون به وكان الرابح الحقيقي هم السلطة.
٢ - أما ما تحقق في ظل الديمقراطية من التشجيع على الفساد الأخلاقي تحت تسمية الحرية الشخصية وما تحقق لهم من الدعوة إلى الإلحاد تحت تسمية حرية الكلمة أو حرية الأديان فإنه لا يعتبر مكسبا حقيقيا بل الصحيح أنه خسارة فادحة وإن سموه مكسبا وهذا باعتراف عقلائهم.
٣ - ما تحقق من الابتعاد التام عن الالتزام بالدين أو التحاكم إليه إنما هو رجوع إلى الجاهلية التي يزعمون أن الإنسان البدائي كان يعيشها في حقبة ما قبل التاريخ كما يسمونها، فأي مكسب للشعب في رجوعه إلى تلك الحال.
٤ - ما تحقق كذلك من نسيان اليوم الآخر وما أخبر الله به من الثواب والعقاب وما حل محله من التكالب على المتع الرخيصة والسير بلهفة للوصول إلى الشهوات والزخارف الجذابة التي تنتجها مصانع الشرق والغرب إن هو إلا ضلال وعبادة للدنيا وإرجاع للإنسان إلى الحيوانية البهيمية.