[سادس عشر: إنكار وجود الله تعالى وتقدس]
لولا حلم الله عز وجل لما استطاع أحد أن يبحث قضية وجود الله تعالى أو عدمها وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فوجوده سبحانه وتعالى يتمثل بوضوح في كل هذ الوجود من أصغر مخلوق إلى أكبره بل الإنسان نفسه من أكبر الأدلة على وجود الله الحكيم الخبير وإلا فأي موجود يستطيع أن يزعم أنه هو الذي أوجد نفسه وعلى الصورة التي أرادها أو قدر لنفسه رزقها وأجلها ومصيرها بعد ذلك.
لقد أقدمت فئة شاذة استهواهم الشيطان وماتت قلوبهم وإن كانوا أحياء يرزقون فذهبوا يعترضون على وجود الله تعالى وهم الملاحدة وقد مهد لهم الطريق علماء الكلام الذين وصفوا ربهم بأنه ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا داخل العالم ولا خارجه ولا يحس ولايشم ولا يشار إليه .. الخ، ولقد كثرت الردود على الملاحدة وعلى علماء الكلام الباطل في هذه القضية الخطيرة بما لا يكاد يحتاج إلى زيادة.
إنني أتضايق كثيرا من سرد الأدلة على وجود الله تعالى وهو ما أعتقد حصوله في قلب كل إنسان مؤمن بالله سليم الفطرة لم تنحرف به شياطين الإنس والجن، إن الله عز وجل أجل وأعظم من أن يحتاج وجوده إلى شخص من الناس يثبته أو يجادل خصومه لإثبات وجوده.
وفي اعتقادي أن الذي يبحث في إثبات وجود الله تعالى دون حاجة ملحة أنه يجب أن يؤدب تأديبا بليغا ومن ابتلي بالخوض في ذلك فعليه أن يستشعر عظمة الله تعالى وأن لا يخوض في هذه القضية الهائلة إلا بقدر الحاجة، والله المستعان ونعوذ بالله من وساوس الشيطان.
وما دمنا في دراستنا للشيوعية وتكذيب مزاعمها فإنني أحب أن يقف القارئ على الحقائق التالية واللبيب تكفيه الإشارة.
هل البشر في حاجة إلى أدلة لإثبات وجود الله تعالى؟
تقدم أنه لا يمكن أن نجد إنسانا سليم العقل والفطرة يعتقد أن الله سبحانه وتعالى يخفى على عباده فالعقل والكون كله وجميع المخلوقات من نام وجماد، وساكن ومتحرك، كلها تدل على وجود الله سبحانه وتعالى وتشهد بقدرته وحكمته ولطفه وعظمته جميع ذرات هذا الكون ولهذا فلسنا في حاجة إلى الإتيان بحشود الأدلة على وجوده فهو أمر فطري، وفي كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يشفي ويكفي لمن عنده أدنى شك في وجود المولى عز وجل، ومن العجيب أن يستدل الملاحدة على إنكار وجود الله تعالى بأدلة هي أقوى الأدلة على وجوده وخلقه لهذا الكون وتدبيره له، ولعل الذين جرؤوا فنفوا وجود الله عز وجل إنما حملهم على هذا ما وجدوه من أوصاف الإله سبحانه في التوراة والأناجيل من أنه شاخ وكبر وينسى ويأكل ويشرب ويمشي ويجلس ويحزن ويندم ويهم بالشيء ثم لا يفعله.
نعم إن مثل هذا الإله من السهل جدا إنكاره خصوصا إذا أضفنا إليه الصفات التي وردت له في التلمود من تعلقه ببني إسرائيل وتدليله لهم وغضبه أحيانا عليهم ثم يضرب وجهه ويندم ويبكي ويلعب مع الحوت الكبير ويعقص شعر حواء .. إلى آخر تلك الصفات التي تدل على سقوط المتصف بها فضلا عن اعتقاد احترامه.
ولكننا لا نبحث عن هذا الإله ولا عن الإله الذي اعتقدت الشيوعية فيه أنه يحابي الظلمة أو أنه لا وجود له إلا في أذهان الرجعيين لأنه غير منظور وغير موجود متجاهلين أنه ليس كل موجود حتما يرى، كوجود الهواء الذي نحس به ولا نراه، ووجود العقل في الإنسان، إذ نفرق بين المجنون وبين العاقل، ووجود الروح إذ نفرق بين الحي والميت وأمثلة لا تحصى، إننا نؤمن بإله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور إله يعلم السر وأخفى إله خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، إننا نؤمن بهذا الإله الحق ونكفر ونلعن من يشك في وجوده.