بعد أن انتقل وباء الحداثة إلى ديار العرب على أيدي المنهزمين فكريا، ولقيت الرفض من المجتمع الإسلامي في بلاد العرب، أخذوا ينقبون عن أي أصول لها في التاريخ العربي لعلها تكتسب بذلك الشرعية، وتحصل على جواز مرور إلى عقول أبناء المسلمين إذ لا يعقل أن يواجهوا جماهير المثقفين المسلمين في البداية بفكرة غربية ولباسها غربي، فليبحثوا عن ثوب عربي يلبسونه الفكرة الغربية حتى يمكنها أن تتسلل إلى العقول في غيبة يقظة الإيمان والأصالة.
وأدونيس .... يعتبر المنظر الفكري للحداثيين العرب، وكتابه (الثابت والمتحول) هو إنجيل الحداثيين كما يقول محمد المليباري، ومهما حاول الحداثيون أن ينفوا ذلك فإن جميع إنتاجهم يشهد بأنهم أبناؤه الأوفياء لفكره.
وهكذا ابتدأ المنظر الفكري للحداثة العربية ينبش كتب التراث, ويستخرج كل شاذ ومنحرف من الشعراء والأدباء والمفكرين، مثل: بشار بن برد، وأبي نواس، لأن في شعرهم الكثير من المروق على الإسلام، والتشكيك في العقائد والسخرية منها، والدعوة للانحلال الجنسي. وحين يتحدث أدونيس عن أبي نواس وعمر بن أبي ربيعة، وعن سبب إعجاب الحداثيين بشعرهما، يقول:"إن الانتهاك ـ أي تدنيس المقدسات ـ هو ما يجذبنا في شعرهما، والعلة في هذا الجذب أننا لا شعوريّاً نحارب كل ما يحول دون تفتح الإنسان، فالإنسان من هذه الزاوية ثوري بالفطرة، الإنسان حيوان ثوري". انظر (الثابت المتحول)(ج١ صفحة ٢١٦). بل إنهم يعتبرون رموز الإلحاد والزندقة، أهل الإبداع والتجاوز، وأهل المعاناة في سبيل حرية الفكر والتجاوز للسائد، وألفوا في مدحهم القصائد والمسرحيات والمؤلفات.
المصدر:الحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص٣٥، ٣٨