العبثية مدرسة أدبية فكرية، تدعي أن الإنسان ضائع لم يعد لسلوكه معنى في الحياة المعاصرة، ولم يعد لأفكاره مضمون وإنما هو يجتر أفكاره لأنه فقد القدرة على رؤية الأشياء بحجمها الطبيعي، نتيجة للرغبة في سيطرة الآلة على الحياة لتكون في خدمة الإنسان حيث انقلب الأمر فأصبح الإنسان في خدمة الآلة، وتحول الناس إلى تروس في هذه الآلة الاجتماعية الكبيرة. وجاءت مدرسة العبث كمرآة تعكس وتكبِّر ما يعاني منه إنسان النصف الثاني من القرن العشرين عن طريق تجسيده في أعمال مسرحية ورواية شعرية، لعله ينجح في التخلص من هذا الانفلات في حياته ويفتح الطريق أمام ثورة هائلة في الإمكانيات ومن التجديد في وسائل التعبير فيتولد لديه الانسجام والفهم لما يحدث.
المصدر:الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
ومما لا شك فيه أن هذا الاتجاه الحداثي هو نتاج المرحلة الحضارية التي تمر بها أوروبا, فهي تعيش في فوضى فكرية عظيمة وضياع كبير وتفكك في المجتمعات والأسر وتشتت في المفاهيم والأفكار إذ لا تجمعهم عقيدة صحيحة ولا يربطهم مبدأ ولا تحكمهم شريعة مستقيمة ولذا كثرت الاتجاهات الفلسفية الناقمة على الواقع والمتمردة على مبادئه وأخلاقه وقيمه وكان من بينها الاتجاه العبثي الذي لم يأت من فراغ بل له جذور فلسفية سبقته كالاتجاه الحداثي التعبيري والسريالي الذي يعد "الأب الشرعي" للاتجاه العبثي وذلك بما يحويه من تجسيد لشطحات العقل الباطن وهلوسة عالم الأحلام الزاخر بالهواجس والآمال والآلام, وكذلك الاتجاه الرمزي لا سيما عند (رامبو) يعد من أصول الاتجاه العبثي كما ذكر ذلك الناقد (ارنست فيش).
وقد سمي هذا الاتجاه بالعبثي لأنه يصور في مسرحياته ورواياته وقصصه ومقالاته العبث والضياع, الذي يعيشه المجتمع, ولهذا فإن إنتاجه يسوده العبث والفوضى في الأفكار والمبادئ واللغة التي يتخاطبون بها فكل (إبداعهم) عبث وفوضى ورموز وقد استعانوا بنظرية فرويد وإيحاءاته النفسية والجنسية في عبثهم وتدميرهم
المصدر:الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- ٢/ ٦٨٠