أثمرت الدعوة إلى الوطنية ثمارا خبيثة وبرزت العصبية البغيضة وانتزعت الرحمة بين الناس وحل محلها الفخر والخيلاء والكبرياء حيث تعصب كل شعب لوطنه واحتقر ما عداه في صور مخزية مفرقة ومن أقوى الأمثلة على ذلك ما حصل عند الأتراك – بفعل دسائس اليهود ضد الدولة الإسلامية العثمانية – حيث نفخوا في أذهان الوطنيين الأتراك وجوب العودة إلى الافتخار بوطنيتهم الطورانية التي كانت موجودة قبل الإسلام والعودة إلى تقديس شعار الذئب الأغبر معبودهم قبل الإسلام ونفخوا في الوقت نفسه في أذهان العرب الوطنيين الحنين إلى الاعتزاز بالوطنية العربية وتقديمها على كل شيء بل جعلها إلها كما قال تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الفرقان:٤٣] وقد عبر شاعرهم عن ذلك بقوله:
هبوني عيدا يجعل العرب أمة ... وسيروا بجثماني على دين برهم
فماذا ينتظر من الوطنيين حينما تكون الكلمة لهم؟ غير جعل الوطنية هي الدين، وهل حقق هؤلاء السفهاء الأشرار كلامهم في حب الوطنية العربية؟!، وماذا فعلوا ضد اليهود في فلسطين وفي غير فلسطين؟، ماذا قدموا غير الصراخ والعويل والنباح والتهديدات الجوفاء لتحرير القدس والأمة العربية؟ يرددون كلاما ممجوجا مكررا وشعارات أصبحت مهازل يستحي منها العقلاء على أنه لم يقتصر الضرر فقط على ما تقدم وإنما كانت وراء خدعة الوطنية أغراضا سياسية وثقافية واجتماعية حيث بدأت الدعوة للوطن تفرق بين الولاء لله تعالى وبين الولاء لغيره تحت شعار " الدين لله والوطن للجميع "، وبالغوا في وجوب حب الوطن وأنه مشاع بين جميع المواطنين حتى السياسية منها ومن هنا تمت اللعبة على كثير من بلدان المسلمين حيث أصبح المواطن النصراني أو اليهودي أو العلماني أو الشيوعي حتى وإن لم يكن من أهل ذلك البلد في الأساس فإن من حقه كمواطن أن يصل إلى أعلى الرتب التي يتمكن من خلالها من التحكم في مصائر أهل تلك الشعوب الإسلامية وهو ما هدف إليه أعداء الإسلام من دعمهم السخي لأولئك الأقليات في تلك البلدان الذين هم في الأساس عملاء لتلك القوى الكفرية العالمية ونجحوا في ذلك وفي نهاية الأمر وهو نتيجة لتمكن أولئك من السلطة أصبح هؤلاء ينادون بأن الوطن والعيش فيه هو في الدرجة الأولى لهم وصاروا ينظرون إلى أهل تلك الأوطان الإسلامية بأنهم غرباء وأحيانا يسمونهم عملاء وبالتالي فمن حقهم أن يضطهدوهم وهو ما تم في بعض ديار المسلمين التي أصبح الحكم فيها لغير المسلمين بل وطرد المسلمين وحوربوا ونفذ المخطط المعادي للإسلام بكل دقة وكأن الشاعر يندب حظهم حينما قال مفتخرا:
يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل