وبهذا يتضح أن دعوى الوطنية وكذلك القومية وكذا الإنسانية والأخوة والمساواة وحرية الكلمة وتقبل الرأي والرأي الآخر ما هي إلا لعب سياسية ماكرة ودعوات يراد من ورائها مكاسب سياسية وعقدية. وفي لبنان وفلسطين أقوى الشواهد واتضح أن الدعوة إلى كل النعرات الجاهلية لم ينتفع بها إلا أعداء الإسلام من اليهود والنصارى ليندمجوا مع المسلمين تحت هذا الاسم. لأن الغرض من قيامها في الأساس هو لتحقيق هذا الهدف. فلا يبتلى بها مجتمع إلا وأصيب بهذا الداء العضال من تراخي القبضة على الدين ومن تمجيد تراب الوطن وكل ذرة رمل فيه وأنه وطن مقدس دون غيره من بلاد الآخرين فاخترعت له طقوس وشعارات واخترعت له أعياد – هي غير الأعياد الإسلامية – ويتبادل الناس فيها التهاني والتبريكات وتتعطل كثير من المصالح لانشغال الناس بتلك الأعياد بينما الإسلام ليس فيه إلا عيدين عيد الفطر وعيد الأضحى وعيد صغير هو يوم الجمعة وطلب أقطابها من الناس أن يقدموا دماءهم رخيصة من أجل تراب الوطن بدلا عن الجهاد في سبيل الله تعالى.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل جاءت ثالثة الأثافي وهي كثرة الأماكن المقدسة فمرة يدعون إلى تقديس تراب الوطن كله ومرة يدعون إلى تقديس بعض المدن أو الأماكن التي قد لا يعرف لها ذكر ولا سابقة خير بل أحيانا يدعون إلى تقديس أماكن عرف عنها الشر وربما وصل الحال إلى أن يختلط الأمر على من لا معرفة له بالأماكن المحترمة من غير الأماكن المحترمة والمسلمون يعلمون أن الإسلام لا يدعوا أحدا إلى تقديس أي مكان في هذه الدنيا ولا يجد المسلمون بلدا تحن إليها النفوس وتترقرق عنده الدموع إلا مكة المكرمة والمدينة النبوية وليس ذلك لذات المكان أو لترابه وإنما هو لما شرفهما الله به من جعلهما أماكن عبادة فاضلة ومن بعثة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وبزوغ فجر الإسلام فيهما ومن ظن أن هذا الاحترام والتقدير إنما هو لترابهما فهو جاهل فقد كانت المدينة تسمى يثرب وكان فيها ما ذكره العلماء عنها من أنها أرض وباء وحرة جرداء حتى شرفها الله تعالى بنزول نبيه فيها ودعاؤه لها بالبركة وأن ينقل حماها إلى الجحفة ويبارك في مدها وصاعها وأن يحببها إليهم كحبهم مكة أو أشد إلى غير ذلك من أخبار هذا البلد الطيب وكذلك مكة فإنها واد غير ذي زرع شرفها الله بالكعبة ولكن في عرف الوطنية ليس العبرة بالصفات وإنما العبرة بذات الأرض وأحيانا تقدس الوطنية الأرض لأن هواءها جميل وأشجارها باسقة ونحو ذلك مما ينظر إليه الشخص القصير النظر الضيق الفكر.
وليت شعري ما الفائدة من تقديس الوطنية إذا كانت ثمارها قطع كل صلة للشخص بما وراء وطنه وبالتالي قطع أواصر المودة بين أوطان المسلمين وأن كون الولاء والبراء قائما على الوطنية لا على الأخوة الإسلامية وأن يغضب الشخص لوطنه أكثر من غضبه لدينه والتعصب لبني وطنه وتقديسهم سواء كانوا قبل الإسلام أو بعده مقدما لهم على أواصر الأخوة في الدين بحيث يجب أن يحب الملحد الوطني على الصالح من غير وطنه حسب شريعة الوطنية أليست هذه معاول هدم تفرق ولا تجمع؟ وتشتت المسلمين وتضعفهم؟