حوار مع عبدالرحمن بدوي قبل وفاته بشهر أجرته مجلة الحرس الوطني عدد ٢٤٤ تاريخ ١/ ١٠/٢٠٠٢م
هل تبرأت من كتاباتك السابقة عن (الوجودية) و (الزمن الوجودي) وعن كونك رائد الوجودية في الوطن العربي؟!!
- نعم .. أي عقل ناضج يفكر لا يثبت على حقيقة واحدة. ولكنه يتساءل ويستفسر ويطرح أسئلته في كل وقت، ويجدد نشاطه باستمرار ولهذا فأنا في الفترة الحالية أعيش مرحلة القرب من الله تعالى، والتخلي عن كل ما كتبت من قبل، من آراء تتصادم مع العقيدة والشريعة، ومع الأدب الملتزم بالحق والخير والجمال. فأنا الآن .. هضمت تراثنا الإسلامي قراءة وتذوقاً وتحليلاً وشرحاً، وبدا لي أنه لم يتأت لأمة من الأمم مثل هذا الكم الزاخر النفيس من العلم والأدب والفكر والفلسفة لأمة الضاد!!. كما أني قرأت الأدب والفلسفات الغربية في لغاتها الأم مثل الإنجليزية والفرنسية واللاتينية والألمانية والإيطالية، وأستطيع أن أقول إن العقل الأوروبي لم ينتج شيئاً يستحق الإشادة والحفاوة مثلما فعل العقل العربي!!. وتبين لي- في النهاية - الغي من الرشاد، والحق من الضلال.
مشروعات قادمة:
وماذا تنوي أن تقدم من مشاريع فكرية في المستقبل؟ وهل ستعود إلى باريس ثانية؟!!.
- مشاريعي الفكرية القادمة إن شاء الله .. تتجه وجهة فكرية أخرى، تميل إلى الأصالة بعد أن افتضحت "المعاصرة" وعَرَاها الجحود والتخلف والتعقيد.
وأنا من الباحثين عن أسس مرجعية للحضارة الإسلامية، وبصدد تأليف كتاب يكون مرجعياً لمعالم الحضارة في الإسلام، سماتها، أسماؤها، معالمها، اتجاهاتها، شخصياتها، أبرز علمائها .. إلخ. وهناك كتاب آخر عن الأدب والعقيدة دراسة في نماذج مختلفة. وغير ذلك من الموضوعات التي تمتاح من الأصالة وتتعمقها وتتشربها أصلاً ونبراساً وطريقاً لا مناص ولا محيد عنه. وربما أعود لباريس ثانية.
وما رأيك في الحداثة بعد أن افتضح أمرها، وثارت حولها القصص والحكايات بشأن التمويل والعلاقات المشبوهة مع المخابرات الغربية؟!!. الحداثة ماتت في الغرب في السبعينات، لكننا أحييناها على ترابنا، وفي جامعاتنا ومعاهدنا، وفى منتدياتنا الفكرية والثقافية والأدبية. وعادينا من أجلها تراثنا العظيم، وشعرنا العمودي، وفكرنا القويم. وخضنا بسببها حروباً طاحنة واشتباكات فكرية لا طائل من ورائها!!. ولم يفطن أدباؤنا ولا مفكرونا إلى حقيقتها وإلى أوزارها ومساوئها إلا بعد صدور هذا الكتاب (الحرب الباردة الثقافية) .. دور المخابرات المركزية الأمريكية في الثقافة والفن" الذي أحدث صدمة قوية بالنسبة لهؤلاء المتغرّبين، فاقتنعوا أخيراً بما كنا نقوله من قبل!!. وحش العولمة!! يهاجم الجميع العولمة لما يكتنفها من هيمنة وغزو وسيطرة، ومحق لثقافات وتوجهات وهويات الآخرين الحضارية .. فما رأيك في ذلك؟!!. -العولمة .. شبح يريد الفتك بنا جميعاً فهي وحش كاسر يتربص بالعالم كله، لكي يستحوذ عليه ثقافياً وفكرياً وحضارياً واقتصادياً وعسكرياً، وهى استعمار جديد، وهيمنة غربية على مقدرات العالم، ولعقوله وأفكاره وأمواله!!. ويجب أن نتصدى لها وأن نفيق لمخططاتها الجهنمية!!. وهل تقدرون مغبة عودتك الحميمة للإسلام، بالنسبة للحداثيين والعلمانيين الذين سيشنون حرباً شرسة ضدكم؟ - ما دمت قد هاجمت الأصلاء وعرضت بهم وبإنتاجهم لسنين وسنين، فما المانع أن أذوق من نفس الكأس، وأن أشرب منه، بعد أن تسببت في تجرع الكبار من هذا الكأس من قبل؟! وأنا سعيد بأن يهاجمني الوجوديون والعلمانيون والشيوعيون، لأن معنى ذلك أني أسير على الحق، وأنني على صواب. ولا أكترث بما يكتبون، لأن القافلة تسير، والكلاب تنبح!!.