[ثالث عشر: حكم الرأسمالية والفرق بينها وبين نظام الإسلام]
الرأسمالية تنظيم جاهلي اقتضته الظروف المعيشية التي مرت بها أوربا في عصورها المظلمة دعا إليه بعض الساسة والمفكرين والكتّاب للخروج من أغلال رجال الكنيسة وعن الأوضاع الاقتصادية المتردية وقد يبدو أن لهم مبررات كثيرة في تلك الثورات الهائجة إلا أنه يؤخذ عليهم أنهم لم يطرقوا باب الإسلام ولم يطلعوا على ما فيه من حلول تسعد بها البشرية لو طبقوها على امتداد تاريخ وجودهم بل كان اهتمامهم كله يتركز على محاربة الدين وأنظمته كلها واستبدال كل ذلك بقوانين الرأسمالية.
ولقد أتت الرأسمالية بحلول كثيرة بعضها تتوافق مع الإسلام وأكثرها تخالفه ومع ذلك فإن في الإسلام حكما واحدا تجاه كل من يخالفه ويشرع من دون الله تعالى أحكاما وضعية قال تعالى أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:٥٠]
فالإسلام لا يقر أي تنظيم أو تشريع للبشر بعضهم للبعض الآخر بل ويعتبره حكما جاهليا وتطاولا على حق الخالق العظيم.
ويفترق النظام الرأسمالي عن التشريع الإسلامي في جوانب كثيرة جدا لأن الإسلام يمقت الشح والتكالب على المال والحرص عليه قال تعالى وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:٩]
بينما النظام الرأسمالي قائم على هذه الصفة الذميمة كذلك فإن الإسلام يدعو إلى الرحمة والعطف والتكافل الاجتماعي بصورة منظمة تكفل لكل ذي حق حقه وقد خلت الرأسمالية من ذلك كما أنه ينظم حياة الناس وتعايشهم فيما بينهم فلا يجعل الحلال ما حل في يد الشخص والحرام ما حرم منه ولا يقر أن يعيش الناس تحت طبقات متفاوته لا يلوي بعضهم على الآخر ينسحق فيها الفقراء ويلاقون مصاعب الحياة دون أن تمتد يد المساعد إليهم لأن الإسلام يأبى هذه الأوضاع ويشنع على أصحابها بينما الرأسمالية قامت على هذا الأساس كضرورة لا مفر منها للانتعاش الاقتصادي كما يزعمون.
وإذا كان الإسلام قد حرم الشح وذمه فإنه حرم الاحتكار الذي يضر بالمصلحة وأكد أنه لا ضرر ولا ضرار والاحتكار من مزايا الرأسمالية كما أكد تحريم الربا بل اعتبره حربا سافرة ضد الإنسانية وضد التشريع الإلهي بينما تجد هذه الجوانب من مقومات الرأسمالية قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:٢٧٨ - ٢٧٩]
فأي نظام حر رأسمالي حرم الربا؟ بل إن النظم الجاهلية كما يعرف القارئ الكريم تسمي الربا فائدة، أما الإسلام فإنه يعتبر النظرة إلى المادة وحدها دون ضوابط ولا رجوع إلى السمو الروحي والأخلاق الفاضلة والتسامح ولين المعاملة يعتبرها الإسلام حياة بهيمية غير لائقة بالبشر يأكل أصحابها كما تأكل الأنعام لأن الإسلام يوازن بين حياة الجسم وحياة الروح التي أغفلتها الرأسمالية واهتمت فقط بالحياة الجسمية والوصول إلى إشباع النداء الجسماني بكل وسيلة مشروعة كانت أو غير مشروعة.
كما أن الإسلام يعتبر الحرية التي ليس لها ضوابط وحدود تقف عندها يعتبرها فوضى لا استقرار فيها ولا سعادة من ورائها بينما التنافس الحر وهو تنافس أشبه ما يكون بتنافس الكلام على الجثة الميتة فإن أصحاب رؤوس الأموال يتهاوشون أحيانا فيما بينهم على الاستحواذ على مصادر الموارد وإزاحة المنافس كما تفعل السباع بفريستها وهذا دأبهم دائما.