[تاسعا: تطور مذهب الحداثة في الغرب وفي البلاد العربية]
- إن حركة الحداثة الأوروبية بدأت قبل قرن من الزمن في باريس بظهور الحركة البوهيمية فيها بين الفنانين في الأحياء الفقيرة.
- ونتيجة للمؤثرات الفكرية، والصراع السياسي والمذهبي والاجتماعي شهدت نهاية القرن التاسع عشر الميلادي في أوروبا اضمحلال العلاقات بين الطبقات، ووجود فوضى حضارية انعكست آثارها على النصوص الأدبية. وبلغت التفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أوروبا ذروتها في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وبقيت باريس مركز تيار الحداثة الذي يمثل الفوضى الأدبية.
- وقد تبنت الحداثة كثيراً من المعتقدات والمذاهب الفلسفية والأدبية والنفسية أهمها:
١ - الدادائية: وهي دعوة ظهرت عام ١٩١٦م، غالت في الشعور الفردي ومهاجمة المعتقدات، وطالبت بالعودة للبدائية والفوضى الفنية الاجتماعية.
٢ - السريالية: واعتمادها على التنويم المغناطيسي، والأحلام الفرويدية، بحجة أن هذا هو الوعي الثوري للذات، ولهذا ترفض التحليل المنطقي، وتعتمد بدلاً عنه الهوس والعاطفة.
٣ - الرمزية: وما تتضمنه من ابتعاد عن الواقع والسباحة في عالم الخيال والأوهام، فضلاً عن التحرر من الأوزان الشعرية، واستخدام التعبيرات الغامضة والألفاظ الموحية برأي روادها.
- وقد واجهت الحداثة معارضة شديدة في كل أنحاء أوروبا، حتى في باريس مسقط رأسها، من المدافعين عن اللغة والتراث وممن ينيطون بالأدب مهمة التوصيل في إطار العقل والوعي الإنساني.
- وكثير من أدباء القرن العشرين لم يعترفوا بالحداثة ولا بما جاءت به من تجريد جمالي وثورة وعدم تواصل، وعدَّ كثير من المفكرين الغربيين الحداثة نزوة عابرة في تاريخ الفكر الغربي.
والحداثة العربية هي حداثة غربية في كل جوانبها وأصولها وفروعها إلا أنها تسللت إلى العالم العربي دون غرابة، وذلك لأنها اتخذت صورة العصرية، والاتجاه الجديد في الأدب، وارتباط مفهوم الحداثة في أذهان بعض المثقفين بحركة ما يسمى بالشعر الحر أو شعر التفعيلة.
- اصطلاح الحداثة بمفهومه الغربي، لم يقتحم الأدبي العربي إلا في فترة السبعينات بينما تسربت مضامينه منذ الثلاثينات من هذا القرن، وذلك في محاولات الخروج على علم العروض العربي، وفي الأربعينات ظهرت بعض ظواهر التمرد والثورة والرفض وتجريب بعض الاتجاهات الأدبية الغربية كالتعبيرية والرمزية والسريالية.
ثم ظهرت مجلة شعر التي رأس تحريرها في لبنان يوسف الخال عام ١٩٥٧م وتوقفت عام ١٩٦٤م للتمهيد لظهور حركة الحداثة بصفتها حركة فكرية، لخدمة التغريب، وصرف العرب عن عقيدتهم ولغتهم الفصحى .. لغة القرآن الكريم.
وبدأت تجربتها خلف ستار تحديث الأدب، فاستخدمت مصطلح الحداثة عن طريق ترجمة شعر رواد الحداثة الغربيين أمثال: بودلير ورامبو ومالاراميه، وبدأ رئيس تحريرها – أي: مجلة شعر – بكشف ما تروج له الحداثة الغربية حين دعا إلى تطوير الإيقاع الشعري، وقال بأنه ليس للأوزان التقليدية أي قداسة ويجب أن يعتمد في القصيدة على وحدة التجربة والجو العاطفي العام لا على التتابع العقلي والتسلسل المنطقي كما أنه قرر في مجلته أن الحداثة موقف حديث في الله والإنسان والوجود.
كان لعلي أحمد سعيد (أدونيس) دور مرسوم في حركة الحداثة وتمكينها على أساس ما دعاه من الثبات والتحول فقال: "لا يمكن أن تنهض الحياة العربية ويبدع الإنسان العربي إذا لم تتهدم البنية التقليدية السائدة في الفكر العربي والتخلص من المبنى الديني التقليدي الإتباعي". استخدم أدونيس مصطلح الحداثة الصريح ابتداءً من نهاية السبعينات عندما أصدر كتابه: (صدمة الحداثة) عام ١٩٧٨م وفيه لا يعترف بالتحول إلا من خلال الحركات الثورية السياسية والمذهبية، وكل ما من شأنه أن يكون تمرداً على الدين والنظام تجاوزاً للشريعة.
- لقد أسقط أدونيس مفهوم الحداثة على الشعر الجاهلي وشعراء الصعاليك وشعر عمر بن أبي ربيعة، وأبي نواس وبشار بن برد وديك الجن الحمصي، كما أسقط مصطلح الحداثة على المواقف الإلحادية لدى ابن الرواندي وعلى الحركات الشعوبية والباطنية والإلحادية المعادية للإسلام أمثال: ثورة الزنج والقرامطة.
- ويعترف أدونيس بنقل الحداثة الغربية حين يقول في كتابه (الثابت والمتحول): "لا نقدر أن نفصل بين الحداثة العربية والحداثة في العالم".
المصدر:الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي