للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تاسعا: الإنسانية والقومية والوطنية]

من أساليب دعاة الإنسانية أنهم يقولون في تقديمهم لها أنه يجب محو فكرة اختلاف الأوطان لأن الجميع يعيشون في أرض واحدة وأن الإنسان هو الذي اختلق تجزئتها وجعل لها حدودا سياسية مصطنعة في حين أن الذين يعيشون فوقها هم أيضا جنس واحد ومن أصل واحد فلماذا لا نعود إلى الأصل الصحيح وهو أن الأرض وطن الجميع ومن عليها أخوة كلهم في الإنسانية ونضرب صفحا عن كل الاعتبارات الأخرى من الجنس واللون والدين والعادات، والقوميات والوطنيات التي طرأت على الإنسان في شكلها البدائي ثم أخذت تتوسع ويتوسع الانتماء إلى القومية والوطنية قليلا قليلا إلى أن أصبح في وضع أكبر مما كان في البداية ولهذا فإنهم يحبون توسيع الدعوة القومية إلى أن يصل الأمر بالجميع إلى قومية واحدة وإلى وطن واحد ثم يعيش الجميع تحت ظل الإنسانية التي ستظلل الجميع وتنمحي كل الفوارق الأخرى بعد ذلك ومن هنا فإن دعاة الإنسانية قد يتفاءلون بانتشار القومية حين تكون قومية عالمية تسودها الإنسانية حينما يلبي الجميع واجب الدعوة إلى الإنسانية وحدها فلماذا لا نطوي المسافة ونأخذ مبادئ الإنسانية اليوم قبل غد لتحل السعادة وتنتشر الرحمة ويعم الخير .. إلى آخره إنها أحلام سعيدة ودعوة خلابة براقة حينما يسمعها الشخص لأول وهلة ولكن وكما تقدم هل يمكن تحقيق هذه الأحلام وهل يمكن أن يتنازل الناس بأجمعهم عن قومياتهم وأديانهم وأوطانهم ليدخلوا تحت لواء الإنسانية الذي أقل ما سيواجهه معضلة من سيتولى قيادة هذا النهج الجديد ولمن تكون القيادة والأمر والنهي؟ وما هو الوطن المفضل؟

المصدر:المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي ٢/ ٨٤٦

<<  <  ج: ص:  >  >>