للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تاسعا: ماذا يراد من وراء دعوى القومية؟]

من البديهي أنه لا يراد من وراء هذه الدعوى وجه الله عز وجل ولا إقامة شرعه ليكون للناس نورا يعيشون به. ولا يراد بها كذلك إعلاء شأن المسلمين وإقامة مجدهم وعزهم لأن مسلك القومية ونهايتها لا تؤدي إلى هذه النتيجة وعلى الافتراض البعيد نقول لو كان الهدف من وراء نشر القومية هي تلك الأهداف النبيلة بزعمكم لكان في تعاليم الإسلام والتمسك بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يغني ويكفي عن تعاليم القومية المخالفة لهما بل المضادة لهما ولو كان الهدف من ورائها إعلاء شأن المسلمين لكان في السير على نهج سلفنا الصالح ما لا يحتاج معه الشخص إلى أي شعار جديد يدعو الناس إلى الالتفاف حوله والنضال في سبيله.

وما زعمه القوميون – كذبا وزورا – من أن القومية العربية ستكون فجرا جديدا على العرب كافة إن هي إلا منكر من القول وزور بل كانت ظلمة وجهالة وتفريقا وتمزيقا لا يزال المسلمون يتجرعون غصصها إلى اليوم وكانت على – الحقيقة – فجرا جديدا وعهدا زاهرا فقط على اليهود والنصارى الذين برزت قرونهم عالية تحت مظلة القومية الجاهلية بحجة أن القومية العربية لا تفرق بين مسلم ويهودي ونصراني أو غيرهم وأن الجميع يشتركون في القومية والوطنية وكلهم من حقهم أن يصلوا إلى الحكم على حد سواء.

وإذا كان الأوروبيون قد نادوا بفصل الدين عن الدولة. للأسباب التي اضطرتهم إلى ذلك فإن الإسلام ليس فيه أي نزاع أو صراع بين الحكام والمحكومين لأنه ليس فيه طبقات كل طبقة تمثل جانبا في الحياة العامة بل إنه يعتبر المسلمين كلهم على درجة متساوية في المعاملات والقيام بالتكاليف الشرعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكلهم يجب عليهم الخضوع لشرع الله تعالى دون أن تستبد فئة بأخرى والحكام في الإسلام ليسوا في طبقة خاصة بل هم مثل سائر أفراد المسلمين لم تكن له مزية إلا تحمل الأمانة وتنفيذ شرع الله تعالى وأوجب لهم الإسلام السمع والطاعة في مقابل هذا العمل فأين هذا السلوك الذي تتحقق به سعادة الناس من سلوك الجاهليات الأوروبية وشرائعها القومية وإذا كان بعض المسلمين حكاما ومحكومين قد خالفوا هذا النهج الواضح فإن تبعة هذا الخلاف عليهم لا على الإسلام إذ الإسلام قد تبرأ من كل الجاهليات الوضعية وأبان حكمه في كل أمر فلا يجوز أن يحمل تبعة أي أمر لم يكن من تعاليمه.

المصدر:المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي ٢/ ٩٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>