[المبحث الثالث: هل يصح نسبة الفكر إلى الإسلام فيقال الفكر الإسلامي؟]
يبدو أن هذه المسألة التبس أمرها على بعض طلاب العلم فمنهم من منع هذا على الإطلاق، ومنهم من لم ير به بأسا، والذي يبدو والله أعلم أنه يجب معرفة أمر مهم وهو التفريق بين إطلاق كلمة (الفكر الإسلامي) مرادا به التشريع الإسلامي ذاته وأنه ناتج عن فكر وبين الحديث عن ما أنتجته عقول علماء الإسلام في شتى ميادين العلوم وأن إطلاق كلمة الفكر الإسلامي على الإسلام ومبادئه الإلهية إطلاق غير دقيق بل ليس بصحيح فإن الإسلام ليس فكرا ناتجا عن اجتهاد أحد وإنما هو تشريع إلهي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم.
أما إذا أريد بالفكر الإسلامي ما كان ناتجا عن اجتهاد وذكاء عقول المسلمين وإنجازاتهم في الأمور القابلة لذلك فلا حرج في إطلاقه إن شاء الله تعالى ومن هنا فلا يصح أن يفهم أن عبارة الفكر الإسلامي المقصود بها الإسلام ومبادئه الأساسية أو أن يكون بهذا المفهوم قابلا للمقارنة بينه وبين الأفكار الوضعية الفكرية كأن يقال مثلا المقارنة بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي أو الشيوعي أو أي فكر كان في قضية كذا فإذا أريد بحث قضية ما بين الإسلام وبين غيره فلا يجوز أن نبحثها على ضوء الإسلام على أنه يمكن التوافق بينهما أو التقارب بل على أن الإسلام يقول فيها حكمه الحق والعدل كما أمر الله تعالى سواء وافق الأفكار الأخرى أو خالفها دون أن نتكلف في الجواب أو نتملق أحدا لتقريب الفكر البشري الوضعي إلى حقيقة الإسلام ومبادئه تحت تسمية شمول الفكر الإسلامي ونحو ذلك من العبارات التي قد ينخدع بها المسلم من حيث لا يشعر فينجر إلى تمييع الحكم الإسلامي المبتكر تناديا بإنارة العقل وحل المشكلات وزيادة ثقافة المسلم وتوسيع مداركه وإشعاره بالجد في العمل وتحذيره من الغفلة أو اتباع الخرافات أو التحذير مما يقوله أعداء الإسلام من شبهات باطلة ودس كاذب على الله تعالى أو على رسوله صلى الله عليه وسلم أو على كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فيجب أن تكون الكتابة كذلك فإنها حينئذ تكون قد مثلت جانبا من جوانب التفكير العلمي الممدوح وقدمت صفة من صفاته المتعددة وخدمة مشكورة في بناء وإثراء الفكر لدى المسلمين عامة في شتى المجالات الدينية والدنيوية.
أما إذا كانت الكتابة بغير علم ولا هدى أو يراد بها التملق أو الخداع أو تقريب الأفكار الباطلة إلى الإسلام فإنها لا يحق لها الانتساب إلى فكر علماء الإسلام وجهودهم كما فعله الكثير ممن كتب في هذا المجال عن تطور الإسلام ومرونته أو تقاربه مع الأديان الأخرى بزعمهم أو كانت في شؤون سياسية بعيدة عن منهج الإسلام ويحاول كاتبها أن يلوي أعناق نصوص الإسلام لتنسجم مع رغبته في تقرير فكرته تلك فإنها عمل شخصي وليس هو المطلوب لإثراء العمل الإسلامي فهناك من يحاول أن يقدم الإسلام على أنه مرن جدا بحيث تتوافق نصوصه مع كل ما هب ودب من الأفكار ولا شك أن هذا خطأ فاحش وهناك من يقدمه على أنه سياسة أو اقتصاد وهناك من يقدمه على أنه ثقافة اجتماعية أو أنه حركات ثورية صاخبة أو أنه زهد وعبادة وانزواء عن الناس .. إلى غير ذلك من الأمور التي وقع فيها الكثير عن قصد وعن غير قصد وهذه التجزئة لمفهوم الإسلام قاصرة وغير مفيدة ولا تمثل حقيقة الإسلام الشاملة ومزاياه العديدة التي طرقت كل جوانب الحياة تحت عموميات شاملة وقواعد يسبح في ظلها الفكر الإنساني في شتى مجالات قدرته على أنه – لا محذور أن نقتصر على إشباع جزئية ما وتقديمها على أنها من صميم الإسلام إذا كانت كذلك في مقابل الرد على من يزعم أن الإسلام لم يتطرق إليها أو أن المسلمين لا يعرفونها ولكن مع بيان أن الإسلام شامل وكامل في بيان جميع القضايا وأن تلك الجزئية إنما هي نقطة في محيط الإسلام مع ربطها ربطا وثيقا بالنصوص المؤيدة أو المانعة وذلك لئلا نستدرج في التوسع فنتقول على الإسلام ونتكلف التدليل ليتوافق مع الأفكار البشرية الوضعية ولا ريب أن الإسلام قد تطرق إلى كل ما يهم البشر في حياتهم ولا ريب كذلك أن المسلمين كانت لهم جهود في خدمته قدموها ابتغاء مرضاة الله ونفع البشر من خلال اطلاعهم على مزايا الإسلام وخصائصه العظيمة التي كانت قابلة لكل ما يستجد في أذهانهم من علوم دينية أو دنيوية مستحدثة بحكم أن الإسلام هو آخرالديانات والمهيمن على الدين كله. وفي النهاية أعتقد أن ترك التعبير بكلمة المفكر أو الفكر الإسلامي واستبدالها بكلمة التفكير عند المسلمين هو الأفضل.