للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعلم الثالث موقفهم من التراث والتاريخ الإسلامي]

المتأمل في مقالات الليبراليين، الدارس لها بتفحص وتمعن يظهر له – بجلاء – أن موقفهم من التراث يتمثل في الجوانب الآتية:

الجانب الأول: وصم هذا التراث بالرجعية والتحجر والجمود على الماضي وعدم استشراف المستقبل، وبالتالي عدم جدواه في ظل المستجدات الحديثة: يقول محمد المحمود:"لن نستفد من تراثنا ما لم نسلط عليه ترسانة العلوم المعاصرة، لن نصنع عالمنا ما لم يحرر تراثنا من أسر الفهوم التي تشل قدرة هذا التراث على الفعل الإيجابي في سياق العصر" (١).ويقول بكل استخفاف:"تصنيم التراث لم يقتصر على التراث، وإنما تعداه إلى سدنة التقليد، المتشدقين بصوت التراث وحمايته، لقد أصبح هؤلاء السدنة أعظم صنمية من مقولات التراث ذاتها" (٢).

وقد ترتب على هذا الموقف السلبي من تراث الأمة دعوة خطيرة إلى التحرر من هذا التراث والانعتاق منه, وضرورة نقده بدعوى التجديد والاجتهاد كما ظهر ذلك جليا من خلال النقولات السابقة.

إن هذه الدعوة الخطيرة ترفع في ظاهرها شعارات خلابة كالتجديد والاجتهاد غير أنها تحمل في طياتها سما زعافا ورجسا قذرا فهي كما يقال: (كلمة حق أريد بها باطل)؛ ذلك أنها لم تؤسس في حقيقتها على تقوى من الله، ولا على هدى منه – جل وعلا -، ولك أن تبصر ذلك من خلال النقاط الآتية:

أنهم ينطلقون في حركة تجديدهم واجتهادهم من نظرة استعلائية ملؤها الغطرسة والغرور؛ حيث ينظرون إلى هذا التراث وأصحابه نظرة احتقار وازدراء كما تقدم معنا.

أنهم ينطلقون في حركة التصحيح والنقد من منهج تغريبي خارج عن تراث الأمة وقيمها الأصيلة.

أنهم يرمون من وراء ذلك إلى تمييع الدين، وإفراغه من معانيه الأصيلة وحقائقه الشرعية، وتطويعه بحيث يكون ملائما لأسيادهم الغربيين.

أنهم لا يملكون أدوات التجديد الاجتهاد الشرعية؛ إذ أنهم أجهل الناس بها، ومع ذلك تراهم عبر المجلات والجرائد والقنوات الفضائية ينعقون ويصيحون بضرورة هذا الأمر.

فدعواهم إذا بالتجديد والاجتهاد في هذا التراث لا تعدوا – في حقيقة الأمر – أن تكون إلا تحريفا وتخريبا وتدميرا لهذا التراث – عياذا بالله -.

الجانب الثاني: وصم هذا التراث بالتشدد والعنف والإقصاء واللا إنسانية، وأنه المنبع الأساسي للتفكير والتبديع والتضليل الظالم: يقول منصور النقيدان:"الجنون الذي نراه اليوم عرض من أعراض المرض، والعلة التي استشرت في جسد هذه الأمة وثقافتها، وهذه راجعة أساسا إلى تراث متعفن، وثقافة الصديد والضحالة التي يربى عليها أبناؤنا صباحا ومساء، في المساجد، وعبر خطب الجمعة، وفي دروس الدين، ومن إذاعة القرآن الكريم" (٣).

تعليق:


(١) ((التجديد الإسلامي وخطاب ما بعد الهوية)) ((إسلام أون لاين)) ((الإسلام وقضايا العصر)) ٢٣/ ٢/٢٠٠٤م.
(٢) ينظر إنتاج هذا الخطاب في بعض مطبوعات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، وموقع الملتقى الفكري للإبداع، ومجلة الاجتهاد والتجديد، وبعض المقالات في موقف إسلام أون لاين.
(٣) ينظر كتاب ((العصرانيون)) (١٧٥ - ٣٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>