للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عاشرا: الغموض في أدب الحداثة والغاية منه]

نحب أن نتحدث عن سمة هامة من سمات أدب الحداثة تميز بها واتخذها له شعاراً وناضل عنها أساطينهم، ثم نرى بعد ذلك لماذا يصرون على إظهار أدبهم بهذا المظهر وتلك السمة ألا وهي الغموض.

إن أول ما يصدم القارئ لأدب الحداثة هو تلفعه بعباءة الغموض، وتدثره بشعار التعتيم والضباب، حتى إن القارئ يفقد الرؤية ولا يعلم أين هو متجه، وماذا يقرأ: أهو جد أم هزل، حق أم باطل، بل يقطع أحياناً بأن ما يقرأه ليس له صلة بلغة العرب: إمّا في الجمل والتراكيب وإن كانت المفردات عربية، أو حتى في المفردات الجديدة التي تدخل الاستعمال لتوها ولأول مرة.

إن من يقرأ أدب الحداثة يقع في حيرة من أمره لمن يكتب هؤلاء، وماذا يريدون؟!

لقد عرضت إنتاج بعض هؤلاء الحداثيين على أساتذة الأدب في كلية اللغة العربية، لعلي أجد عندهم ما لم أجده في كتب اللغة والأدب حين وقفت عاجزة عن السماح لهذا الأدب بالدخول في دائرة الفكر المعقول، فضلاً عن الأدب الراقي الجميل المؤثر في النفوس، والمؤجج للعواطف، فوجدت أولئك الأساتذة أكثر حيرة.

فعدت أنقب في كتابات الحداثيين أنفسهم، حتى وجدت ما يشير بالتأكيد إلى غايتهم من هذا الغموض.

إن الغموض طغى حتى على عناوين قصائدهم وكتاباتهم، وها أنا ذا أورد نماذج من إنتاجهم، وأعقب بنقول تؤكد إصرارهم على الغموض، باعتباره علامة مميزة لفكرهم، ثم أبين غايتهم من هذا الغموض.

يقول رمزهم المبدع ـ كما يسمونه ـ عبد الله الصيخان في قصيدة حداثية نشرت في مجلة اليمامة عدد ٨٩٦:

"قفوا نترجل

أوقفوا نتهيأ للموت شاهدة القبر ما بيننا يا غبار ويا فرس

يا سيوف ويا ساح يا دم يا خيانات

خاصرة الحرب يشملها ثوبها

كان متسخا مثل حديث الذي يتدثر بالخوص

كي لا يرى الناس سوأته

كنت أحدثكم

للحديث تفاصيله فاسمعوني

فقد جئت أسألكم عن رمال وبحر وغيم وسلسلة زبرجد"

إنني أرجو من القراء أن يجهدوا تفكيرهم معي قليلاً لعلهم أن يحظوا بما لم ينكشف لي من كنوز أدب الإبداع , الأدب الجديد والوعي الجديد كما يسمونه، والذي يظن السامع لكلامهم عندما يسمع طنطناتهم ورغاءهم وثغاءهم أنهم حققوا للأمة ما نهض بها إلى الفرقد، وجاوز بها المساكين.

وفي اليمامة أيضاً في العدد ٩٠١ يقول زاهر الجيزاني:

"وحدي بهذا القبو

أعثر في حطام الضوء في كسر المرايا

ويداي مطفأتان

ويداي موحشتان

ويداي ترسم بالرماد فراشة

ويداي تأخذني

وأسأل من أكون سبعاً بهذا القبو

أورثناه حكمتنا وأورثنا الجنون"

ما هو يا ترى القبو الذي يشكو الجيزاني من العيش فيه ويتضجر منه ويشعر بأنه أورثنا الجنون؟! وما هو حطام الضوء؟ وما هما اليدان المطفأتان؟ وما علاقة ذلك برسم فراشة في الرماد؟!

طلاسم تنتظر من يفك رموزها، وإننا لمنتظرون لأهل الحداثة.

وفي عكاظ العدد ٧٥٣١ الصفحة ٨ كتبت هدى الدغفق تحت عنوان (اشتعالات فرح مثقل) ... وانظر التناقض، فرح له اشتعالات، وأيضاً مثقل!! قالت هدى هذه من ضمن قصيدة حداثية طويلة، لا أريد أن أثقل عليكم بها كلها، ولكن أسمعكم منها قولها:

"لأني نفيت من الحلم بالأمس

سامرت قيظا

وجعا منح الوقت وقتاً

واحترى أن يمر به الوسم

لأني عاصرت حالة دفني

تجذرت بالرمل

مارست توق الخروج عن الخارطة

ولأن الخريف طوى قامتي"

أهذا كلام العقلاء فضلا عن أن يكون كلام الأدباء أو كما يسمونهم: المبدعين والمتميزين؟؟!.

.... إن هذه الأمثلة التي سقتها لك غيض من فيض مما تزخر به الملاحق الأدبية في صحفنا ومجلاتنا، وما يلقى في أمسياتنا ونوادينا الأدبية وينشر في مطبوعاتنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>