واليهود كما وصفهم وراء كل جريمة ومؤامرة فقلما تنشأ فكرة ضد البشرية إلا ووقفوا لتقويتها ولا طائفة تتربص بالدين إلا ووقفوا إلى جانبهم وهذا الإجراء منهم هو ما أوصتهم به كتبهم التي يقدسونها وحاخامتهم الذين اتخذوهم أربابا من دون الله تعالى.
ولقد حافظ اليهود على تماسكهم وتضامنهم طوال تاريخهم في اعتزاز بجنسهم وقوميتهم وعقائدهم التي ورثها لهم أكابرهم قديما، فلم يذوبوا في أي مجتمع مهما امتدت بهم السنوات ومهما كانت أعدادهم ومهما كان تفرقهم وبالإضافة إلى تعصبهم لقوميتهم فهم يتعصبون أيضا للغتهم العبرية وكان من مكاسب اليهود في انتشار القومية اليهودية والتدين بها هو الحفاظ على أفرادهم من الذوبان في أي مجتمع يكونون فيه وبالتالي فإن في انتشار القومية بين مخالفيهم أيضا مكسب لهم من حيث تمزق هؤلاء وتشرذمهم وانطواء كل جماعة على قوميتهم وما يتبع ذلك من التنافس بينهم واستعلاء بعضهم على بعض بحكم شريعة القومية وحينئذ يكونون لقمة سائغة لليهود لينفردوا بمن يشاءون منهم حتى يكتمل الدور عليهم جميعا وقد ظهر هذا واضحا في مكائدهم الكثيرة بالشعوب حكاما ومحكومين وما فعلوه تجاه الدولة العثمانية بالخصوص حين عملوا على تشجيع قيام القوميات والنعرات الجاهلية أقوى مثال ووصل الأمر حتى إلى قصور الخلفاء أنفسهم في آخر دولتهم فنسي الكثير منهم أن عزتهم إنما هي بالإسلام والتعصب له فاستخذوا أمام الضغوط اليهودية والنصرانية في كثير من المواقف بسبب تأثرهم بمختلف التيارات من ناحية ومن ناحية أخرى لخذلان المسلمين لهم.
وقد أقامت اليهودية العالمية روافد عدة لإحياء القوميات في النفوس من ماسونية وعلمانية وجمعيات أخرى وثورات عارمة للشعوب ضد حكامها ودعاوى الحرية والإخاء والمساواة وغيرها من الشعارات فكانت أكبر كارثة حلت بالمسلمين هي سقوط الدولة العثمانية بمؤامرات اليهود حينما ركن إليهم سلاطين هذه الدولة فكانوا كالذي يفقأ عينه بيده في سماحتهم وتساهلهم ضد أهداف اليهود ومطالبهم المتتابعة وما يتبع ذلك من استفحال العلمانية جنبا إلى جنب مع نعرات القومية التركية التي كان يذكي نارها جمعية الاتحاد والترقي التركية اليهودية الماسونية المعتقد أو كما يسمونها "تركيا الفتاة".
وكل هؤلاء أخذوا يرجعون إلى الوراء بصورة حثيثة لجعل القومية الطورانية هي كل الأمجاد والمعتقدات عليها يلتقون وعليها يفتقرون مدعين أن الإسلام هو الذي أخفت صوتها وحضارتها.
ومن الجدير بالذكر أن جمعية الاتحاد والترقي - أو تركيا الفتاة - ليسوا أتراكا حقيقيين ولا هم مسلمين أيضا وإنما وفدوا من عدة أقطار متظاهرين بالإسلام - وهم يهود في جملتهم - كما يذكر الباحثيون تظاهروا بالتباكي والحنين إلى القومية الطورانية لجمع الأتراك كلهم عليها. وقد علمت مما سبق أن اليهود قد عملوا على إثارة كل القوميات وضرب بعضها بالبعض الآخر فإنهم حينما أنشأوا حركة الطورانيين كان عليهم أن يثيروا الحركة العربية والاعتزاز بها في مقابل اعتزاز الأتراك بقومياتهم القديمة وأخذت تلك الحركات تشتعل لا تلوي على شيء في الوقت الذي نسي فيه الجميع الرجوع إلى الحق والدين واشتط الأتراك وبدؤوا في التعسف وإجبار الناس على اعتناق اللغة التركية وإحلالها محل كل لغة وهم يعرفون أن النتيجة ستكون فوضى وحمية جاهلية وهو ما حصل بالفعل حيث استطاع اليهود أن يثيروا حمية العرب لعربيتهم لجعلها مصدر إلهامهم بدلا عن الإسلام والاعتزاز به ليبقى الكاسب الوحيد لهذا التمزق والتفاخر الأجوف هم اليهود ولا شك أن النصارى سينالهم نصيبهم من هذه المكاسب أيضا فالكل عدو للمسلمين وللإسلام وتعاليمه وهو ما حصل بالفعل ولقد عرف العالم ويلات الحروب التي وقعت بين العرب والأتراك وتدخلات الدول الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا العدو اللدود للمسلمين قديما وحديثا.