[ثامن عشر: نظرة في كتاب (الإسلام وأصول الحكم) للشيخ علي عبدالرازق]
برغم ما في هجمة أتاتورك وجنايته على الإسلام من الضراوة والقسوة والشراسة - فإن جناية علي عبدالرازق في كتابه (الإسلام وأصول الحكم) أشد وأخطر؛ ذلك أن صنيع أتاتورك ردة صريحة، وخروج على الإسلام بقوة السلطان؛ فلا يكون لها أثر إلا بقدر بقاء القوة.
أما صنيع علي عبدالرازق فقد كان محاولة للتغيير في أصول الإسلام، ومسلماته.
وهذا - بلا ريب - يفعل فعله، ويمتد أثره؛ ليصبح هو التفسير الصحيح لعلاقة الإسلام بالسياسة والحكم.
وحينئذ توصد الأبواب - لو قُدِّر لهذه المحاولة أن تنجح - في وجه الإسلام، ويُحال بينه وبين القيادة والتوجيه لحياة الأمة المسلمة.
لقد كان كتاب علي عبدالرازق أول كتاب يقدمه رجل ينتمي إلى الإسلام، بل إلى العلم والقضاء معلناً عن نفسه بلا مواربة، مقدماً فيه الفكر العلماني في جرأة لا تعرف الحياء ولا الخجل.
ولم تكن كتابته مجرد فقرة قصيرة أو طويلة، بل ولم تكن مجرد مقال طويل يُنشر في إحدى الصحف.
وإنما كان كتاباً كاملاً يعرض منهجاً كلياً في معرفة الإسلام، وعلاقته بالحكم.
ومما يحسن التنبيه عليه أن الحكومة الكمالية حين ألغت الخلافة العثمانية سنة ١٩٢٤م - أصدر المجلس الوطني التركي رسالة شرح فيها وجهة نظره في إلغاء الخلافة.
إلا أن الرأي العام في العالم الإسلامي لم يقابل هذا العمل بالارتياح، بل أخذ بعض مفكري وعلماء الإسلام يتطارحون الرأي في إقامة الخلافة الإسلامية.
أما الرسالة التي أصدرها المجلس التركي فقد كانت بعنوان (الإسلام وسلطة الأمة) أو (الخلافة وسلطة الأمة).
وقد تُرجمت إلى العربية، وطُبعت بمطبعة المقتطف بمصر سنة ١٩٢٤م.
وبعد صدور هذا الكتاب سنة ١٩٢٥م أصدر علي عبدالرازق كتابه المذكور، وكان حينئذ قاضياً بمحكمة المنصورة الشرعية الابتدائية.
ويُلاحظ أن بين اسمي الكتاب ومضمونهما تشابهاً، إلا أن الكتاب الأول لم يبلغ ما بلغه كتاب علي عبدالرازق من القدح في علاقة الإسلام بالسياسة.
ومما يوضح الشبه بين الكتابين أنه قد جاء في كتاب (الإسلام وسلطة الأمة) ص٥ ما نصه: إن هذه المسألة - الخلافة - دنيوية وسياسية أكثر من كونها مسألة دينية، وإنها من مصلحة الأمة نفسها مباشرة، ولم يرد بيان صريح في القرآن الكريم ولا في الأحاديث النبوية في كيفية نصب الخليفة وتعيينه، وشروط الخلافة ما هي .....
وقال علي عبدالرازق في ص١٦ ما نصه: "إنه لعجب عجيب أن تأخذ بيدك كتاب الله الكريم، وتراجع النظر فيما بين فاتحته وسورة الناس، فترى فيه تصريف كل مثل، وتفصيل كل شيء من أمر هذا الدين مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ [الأنعام: ٣٨] ثم لا تجد فيه ذكراً لتلك الإمامة العامة، أو الخلافة.
إن في ذلك لمجالاً للمقال! ليس القرآن وحده الذي أهمل تلك الخلافة، ولم يتصد لها، بل السنة كالقرآن - أيضاً - وقد تركتها ولم تتعرض لها ..
وفي رسالة المجلس الوطني التركي ص٤ ما نصه: إن الفرقة المسماة بالخارجية تنكر وجوب الخلافة، وتقول إن أمر نصب الخليفة وتعيينه، ليس واجباً على الأمة الإسلامية، بل هو جائز، ووجوده وعدم وجوده سيان ..
ويقول علي عبدالرازق في ص٣٣ ما نصه: فكيف وقد قالت الخوارج: لا يجب نصب الإمام أصلاً، وكذلك قال الأصم من المعتزلة، وقال غيرهم - أيضاً - كما سبقت الإشارة إليه.
وحسبنا في هذا المقام نقضاً لدعوى الإجماع أن يثبت عندنا خلاف الأصم والخوارج وغيرهم، وإن قال ابن خلدون: إنهم شواذ.
وهكذا ردد علي عبدالرزاق في كتابه ما جاء في رسالة المجلس الوطني التركي، وزاد عليها شيئاً من فساد الفهم، وسوء الأدب في حق النبي " وحق كبار الصحابة.