للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قابلت الدوائر الاستعمارية والمراكز التبشيرية المسيحية كتاب علي عبدالرازق بالترحيب والتصفيق، وذلك لخشيتها من كل فكرة ترمي إلى تكتل العالم الإسلامي، وارتياحها إلى نشر مثل هذه الآراء الخبيثة التي ضمنها علي عبدالرازق كتابه، تلك الآراء التي تخدم أهداف الاستعمار وتحقق آماله في السيطرة على الشعوب الإسلامية، وإذلالها إلى الأبد.

وقد كشف المؤلف عن نفسه الخبيثة في حديثه مع مراسل صحيفة (البورص إجبسيان) حينما سأله هذا المراسل:

- هل يمكن أن نعتبرك زعيماً للمدرسة؟

فأجاب: "لست أعرف ماذا تعني بالمدرسة؟ فإن كنت تريد بهذا أن لي أنصاراً؛ يسرني أن أصرح لك أن الكثيرين يرون رأيي، لا في مصر وحدها، بل في العالم الإسلامي بأسره".

وقد وصلتني رسائل التأييد من جميع أقطار العالم التي نفذ إليها الإسلام.

ولا ريب أني رغم الحكم، لا أزال مستمراً في آرائي وفي نشرها، لأن الحكم لا يعدل طريقة تفكيري.

وسأسعى إلى ذلك بكل الوسائل الممكنة كتأليف كتب جديدة، ومقالات في الصحف، ومحاضرات، وأحاديث.

والآراء التي أراد علي عبدالرازق أن ينشرها بين المسلمين، ويُؤلف فيها الكتب تتلخص في الطعن في حكومة النبي "، واتهام كبار الصحابة بأشنع التهم.

ولم يكن من بين هذه الآراء الحض على مكافحة الاستعمار، والجهاد في سبيل الاستقلال والحرية، ولا عجب في ذلك؛ فبيت عبدالرازق كان في ذلك الوقت من البيوت العريقة في خدمة الاستعمار؛ فقد أنشأ حسن عبدالرازق حزب الأمة سنة ١٩٠٨ لمحاربة الحركة الوطنية، وبعد سنة ١٩١٩م انضم آل عبدالرازق إلى حزب الأحرار الدستوريين الذي كان يعمل مع الإنجليز .. وسواء كان الكتاب المنسوب لعلي عبدالرازق من تأليفه هو - كما هو مدون على غلاف الكتاب - أو كان من تأليف بعض المستشرقين كما يذهب إلى ذلك آخرون (١) فإن الذي يعنينا هنا أن يُقال: إن العلمانية أعلنت الحرب بغير مواربة على النظام السياسي الإسلامي، وبدأت جولتها معه، التي ربما خُيِّل لأتباعها أنها الجولة الأولى والأخيرة، ولكن وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا [الأحزاب: ٢٥]

لقد كان صدور ذلك الكتاب المنبوذ - والذي يعني عند مؤلفه ومن يشايعه إسقاط الخلافة والقضاء عليها من الناحية الشرعية - عام ١٩٢٥م، أي بعد عام واحد من إسقاط الخلافة والقضاء عليها واقعياً من قِبَلِ أتاتورك وأتباعه.

وبصدور ذلك الكتاب بدأت وقائع الجولة الأولى - الظافرة بإذن الله - من أهل الحق في الرد على أهل الباطل وضلالاتهم، وحمي الوطيس، وانتصب للحق أهله ودعاته، وظهرت الردود تلو الردود؛ لترد على الكائدين كيدهم في نحورهم، ولِتفضحَهم أمام أجيال الأمة المعاصرة واللاحقة، وتبين خيانتهم لله ولرسوله وللمؤمنين، ومتابعتهم لأولياء الشيطان من اليهود والنصارى الحاقدين. فقام بالرد عليه السيد محمد رشيد رضا صاحب (مجلة المنار)، وكذلك الشيخ محمد شاكر (٢) وكيل الأزهر سابقاً، وكذلك الأستاذ أمين الرافعي، وقد أفتى بعض كبار العلماء من أمثال الشيخ محمد شاكر، والشيخ يوسف الدجوي، والشيخ محمد بخيت، والسيد محمد رشيد رضا بِرِدَّةِ علي عبدالرازق مؤلف الكتاب المذكور.

رد الشيخ محمد الخضر حسين في كتابه (نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم)


(١) (٨) انظر ((روائع إقبال)).
(٢) (٩) ((هل نحن مسلمون)) (١٣٦ –١٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>