[سابعا: أماكن انتشارها]
شاعت ديانة الإنسانية هذه في الغرب وصار لها في كل بلد كاهن أكبر وجعلوا لها معابد وطقوسا وسدنة وقد برزت عند الأمريكان بوضوح حيث جعلوا الإنسانية دينا وقد صيغ المذهب الإنساني في أمريكا في ١٣٣٣م في بيان الإنسانيين الذي تضمن إنكار وجود الله تعالى وخلقه لهذا الكون وإنكار النبوة والرسالة والتعليل لنشأة الإنسان وثقافته الدينية وما يتعلق بحياة الإنسانية كلها مستندين إلى تعليلات الشيوعية الماركسية.
وفيما يلي بيان الإنسانيين المشهور مع تعليق خفيف يوضح الغرض من كل فقرة منه:
١ - " الكون موجود بذاته وليس مخلوقا" والإلحاد والكفر بالله تعالى ظاهر في هذا وهذا المعتقد كاف في كفر من تمسك به.
٢ - "الإنسان جزء من الطبيعة وهو نتيجة عمليات مستمرة فيها"، وهذا إنكار لوجود الله أيضا وإنكار لحقيقة وجود الإنسان وإسناد خلقه إلى الطبيعة حسب تعليلهم السخيف ولو سئلوا عن تلك العمليات المستمرة لانقطعوا وأجابوا بما يدل على جهلهم وحمقهم.
٣ - "ثقافة الإنسان الدينية ليست إلا نتاج التطور التدريجي الناشئ من التفاعل بين الإنسان والبيئة الطبيعية والوراثة الاجتماعية"، وهذا كفر بالأنبياء والمرسلين وزعم باطل وهضم لنعمة التفكير التي خص الله بها الإنسان ورجم بالغيب.
٤ - "لقد ولى الزمن الذي كان يعتقد الناس فيه بالدين وبالله"، ونقول لهم بل لا يزال جديدا على مر الدهور رغم أنوفهم وسيبقى إلى يوم القيامة.
٥ - "يتركب الدين من الأفعال والتجارب والأهداف التي لها دلالات في نظر الإنسان ومن هنا زال التمييز بين المقدس والمادي"، ويقال لهم إذا كان الدين يتركب من تجارب فكيف لم يدعوا النبوة كلهم وكيف قام على أشخاص معدودين تحوطهم عناية الله وتأييده، وهل يعرف الدين بالتجارب؟
٦ - "إن التحقيق التام للشخصية الإنسانية هدف الإنسان "، نقول نعم ولكنه لا يصل إليه إلا بالتبين الصحيح وبتيسير الله وتوفيقه له.
٧ - "يعبر عن الانفعالات الدينية بالإحساسات الشخصية والجهود الجماعية التي تحقق الرفاهية الاجتماعية "، وهذا الكلام محض دعوى لا دليل عليه، مع أنهم ينفون أي دليل صحيح للتدين. ٨ – "لا توجد انفعالات دينية ومواقف للناس تربطهم بوجود خارق للطبيعة"، ونقول لهم إن الفطرة في الإنسان والواقع كليهما شاهدان بهذا الرباط (١).
وقد أمضى هذا البيان جون ديوي وآخرون من كبار دعاة الإنسانية.
وعلى حسب ما تقدم فإن الإنسانية في جوهرها العام هي دعوة للإنسان إلى أن يعيش حياته ابن يومه مهما صادفته من الأمور التي يرضاها والتي لا يرضاها قوي الأمل صامدا في مواجهة الأخطار جاعلا نصب عينيه أن يعيش حياته المادية بكل ما يجده ضاربا بالقوانين التي تحد من ارتكاب الشهوات جانبا وأن لا ينظر إلى الأمور الروحية الغيبية ولا يتأثر بما يقال له من أنه سيحاسب على كل أعماله الدنيوية أمام الله تعالى فليس لك إلا ما تمتعت به قبل موتك فلا بعث ولا حساب ولا جزاء في مفاهيم دعاة الإنسانية وهم حينما يقررون هذا الكلام نقول لهم بكل تأكيد أنهم يغالطون أنفسهم وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم في فراغ وأن الأمر جد ولا يمكن أن تكون الحياة كذلك قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:١٤].
وهم متأكدون أن حياتهم هذه لا تختلف عن حياة سائر البهائم ولولا الظلم وحب العلو لرجعوا إلى الحق ولنظروا إلى ما هم فيه بأنه عبث وفوضى لا تقرها العقول ولا الفطرة السليمة ولكنه العناد والاستهتار والبغي.
المصدر:الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
(١) ([٢٧٢]) انظر كتاب ((مذاهب فكرية معاصرة)) (ص٥٥٩) بتصرف.