[المطلب الثالث: الخصوصيات بين البشر]
وإذا كان وجود الفوارق بين الناس أمرا بديها وواقعا ملموسا، فنحن على يقين من وجود خصوصيات متفاوتة بين البشر، مع معرفتنا بأن الله تعالى قد ساوى بين الرجال والنساء في أصل الخلقة فجعل سبحانه للرجل خصوصيات وللمرأة خصوصيات أيضا كل واحد حسب ما يليق به.
فقد خص الله الرجل بالقوامة على المرأة وانتساب الأولاد إليه، وخص المرأة بالأمومة والعطف والحنان.
خص الله الرجل في الميراث بأنه له مثل حظ الأنثيين، وخص النساء بنصيب منه مختلف.
خص الله الرجل بالشهادة بمفرده، بينما شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد، ولذلك أسبابه الكثيرة التي ذكرها العلماء وسنذكرها فيما بعد، ولا يصح أن يقال هنا أن الرجال أهليتهم ناقصة في الشهادة، حيث لا يقبل في بعض القضايا إلا شهادة رجلين فأكثر، وفي بعضها أربعة رجال فأكثر كجريمة الزنا مثلا .. فما سبب وجود تلك الخصوصيات؟
والجواب: أما القوامة بالنسبة للرجل فسببه الذكورة، وأما الأمومة بالنسبة للنساء فسببها الأنوثة، كما أنه لا تستقيم الأمور إذا كانت القوامة للجميع، أما الميراث فليست المرأة في الميراث على الأقل دائما، فقد ساوى الإسلام بين الأب والأم في الميراث من ولدهما المتوفى عن بنت وأم وأب، وجعل نصيب البنت أضعاف نصيب الرجل في قوله تعالى: وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ [النساء:١١].
وأما كون الرجل له حظ الأنثيين فإنما هو لقيامه بالأعباء المالية التي كلف الله بها الرجل، حيث يذهب ماله بسرعة، فلو أعطيت المرأة دائما مثل حظ الرجل لتراكم المال بيد النساء فلا توجد صفة العدل في التوزيع، وإذا قيل بأن المرأة قد تحتاج إلى المال مثل حاجة الرجل تماما فذلك يدل على اختلال في السلوك، أما مع بقاء قوامة الرجال فإنها لا تكون مثله وتصل إلى درجة حاجته مع وجود الميراث بيدها.
وأما بالنسبة لشهادة المرأتين بشهادة رجل فإنما هوفي صور بعيدة عن حياة النساء في الغالب، وهو ما يتعلق بالديون والمعاملات التجارية، فخشية أن تنسى المرأة الواحدة لابد أن تعزز بأخرى كما قال تعالى: أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:٢٨٢].
فالسبب هو خوف النسيان، لأن المعاملات التجارية ومسائل الديون أمور لا تتخصص فيها المرأة غالبا فيسرع النسيان إليها، كما أن مدارك المرأة في الغالب وفهمها في أمور الحياة أقل من مدارك الرجل وفهمه لكون الرجل يعيش الحياة من أوسع الأبواب بخلاف المرأة التي قد لا تصادف تلك المعاملات إلا قليلا، وأما إذا خرجت المرأة عن أنوثتها ونزلت إلى الشارع وعاشت الحياة بصخبها وضجيجها ومشاكلها فقد يكون لها شأن آخر من المدارك لكنه خارج عن طبيعتها الحقيقية.
وأما اشتراط أربعة شهود في جريمة الزنا فليس سببه نقص أهلية الرجل، وإنما سببه الحفاظ على كرامة المرأة من أن تكون عرضة للكيد والشبهات، ومنعا وردعا للتساهل في هذا الأمر الخطير، وصونا للأعراض. وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم في النساء: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل من إحداكن)) (١). فالقرائن تبين الغرض من الحديث، أما نقصهن للب الرجل الحازم فقد كان الحديث في يوم عيد أي يوم فرح وسرور وزينة، فليس المراد به ذم النساء، وإنما يراد به تقرير ذكاء النساء حيث يذهبن بلب الرجل الحازم بزينتهن وتصنعهن، لأن كيدهن في هذا الباب عظيم، فهو إخبار من الرسول صلى الله عليه وسلم وليس ذما لهن.
وأما نقص الدين فهو بسبب الحيض الذي يحول دون الصلاة والصوم وغيرهما من بعض العبادات، وليس معناه الذم للنساء، إذ لا مذمة عليهن في الحيض، بل هو أمر أراده الله فبدونه تنعدم وظيفة الأمومة وتنقرض البشرية.
وأما نقص العقل فليس المراد به أن كل امرأة ناقصة العقل، ولكن المراد به نقص عقلها في الشهادة لما سبق تعليله، كما أن العقل والذكاء من الأمور النسبية بين الرجال والنساء وهو أمر مشاهد.
وظهور الخصوصيات في هذه الأمور واضحة، ولا يصح إقحام دعوى التساوي بين الرجال والنساء في جميع الجوانب، فهناك موانع يجب أن ندركها.
المصدر:المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي ١/ ١٢٦
(١) ([٣٣]) رواه البخاري (٣٠٤).