للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١: الليبرالية في الحكم والسياسة]

دخلت الليبرالية إلى البلاد الإسلامية بشكل تدريجي وقد بدأ ذلك في أواخر عهد الدولة العثمانية التي كان لها دور كبير في المحافظة على ديار الإسلام، والحكم فيها بالشريعة الإسلامية في الجملة.

ولكن الدولة العثمانية رسخت الانحراف العقدي من خلال تبني الإرجاء والتصوف، وأهملت الشورى والمشاركة السياسية، وهذا ما جعل الدولة والمجتمع بحاجة ماسة للإصلاح، وقد كان هذا أثناء صعود الدول الأوروبية وقيام حركات التحرر بعدد من الثورات ضد العهد القديم مما نتج عنه تغير كبير في الأنظمة السياسية، والتركيبة الفكرية والاجتماعية في أوروبا.

في هذه الأثناء بدأت المطالبة بالإصلاح في الدولة العثمانية، ولكن عملية الإصلاح لم تتم بالأسلوب الصحيح، حيث تم ذلك على الطريقة الأوروبية. وقد كانت البداية غير مقصودة لتطبيق الليبرالية كنظام سياسي في الدولة، ويمكن تتبع عملية تسلل الليبرالية من خلال رصد بدايات التأثر بالنظام الليبرالي ومراحله متدرجا منذ التقليد الشكلي للأنظمة الغربية في أواخر الدولة العثمانية وإلى مشروع الشرق الأوسط الكبير ومنتدى المستقبل في واقعنا المعاصر، وذلك من خلال ما يلي:

عهد التنظيمات:

بدأ عهد التنظيمات عندما شعرت الدولة العثمانية بالوهن والضعف الشديد في حين أن أوروبا قد أثبتت تفوقا قويا في الميدان العسكري والسياسي والعلمي، وهذا ما جعل الدولة العثمانية تفكر في إيجاد طريقة تتمكن بها من اللحاق بالدول الأوروبية في التقدم الصناعي والإداري. وقد كان الخلل في هذه التنظيمات هو بناؤها على النموذج الغربي، وكان الواجب تحريك العقلية الإسلامية للاختراع والإبداع حسب الحاجة، وما يناسب الدولة، وتوسيع الإصلاح ليشمل تجديد الدين وتنقيته من شوائب الإرجاء والتصوف، وفتح باب الاجتهاد وغيره ... ,

المنهج التوفيقي بين الإسلام والحضارة الغربية الليبرالية: نشأ في عهد التنظيمات السابق، وما صاحبه من دعوة للإصلاح على النمط الأوروبي نخبة من الأساتذة والضباط وموظفي الدولة العثمانية تبنوا الإصلاح، واقتنعوا أن هذا الإصلاح لن يتم إلا بتبني بعض صيغ المجتمع الأوروبي.

..... ولكن هذه الحركة لم تبدأ منفصمة عن الإسلام، وهذا ما استدعى النظر في الإصلاحات الجديدة المأخوذة من أوروبا ومحاولة ربطها بأحكام الإسلام وعقائده. فقد مثل هذه الحركة من الجانب الفكري "ضياء باشا "، و " نامق كمال "، وهما ممن اطلع على الآداب الأوروبية وأعجبوا بها وشكلوا حزبا سياسيا وهو " حزب الشباب العثماني " (١) وحاولوا الربط بين الفكر الليبرالي والإسلام.

...... وفي مصر كان الطهطاوي ممن تشرب الأفكار الليبرالية وأعجب بها إعجابا كبيرا، وقد اطلع في رحلته إلى باريس على الفكر الليبرالي، وقرأ كتب التاريخ والفلسفة والفكر السياسي باللغة الفرنسية، وقد تعرف على فكر فولتير وروسو ومونتسكيو وغيرهم أثناء إقامته هناك. .... وممن تأثر بهذه المنهجية التوفيقية – أيضا – "خير الدين التونسي" الذي يقول عن الدول الأوروبية: " وإنما بلغوا تلك الغايات والتقدم في العلوم والصناعات بالتنظيمات المؤسسة على العدل السياسي وتسهيل طرق الثورية " (٢).

..... وممن ينبغي الوقوف عنده في هذا المجال " محمد عبده " فقد كان صاحب مدرسة مستقلة تخرج منها عدد من الليبرالية في البلاد الإسلامية.

ولهذا وقف الحاكم الإنجليزي لمصر كرومر مع محمد عبده وسانده في كثير من مشاريعه, ومن ذلك أنه احتضنه عندما اصطدم بالخديوي عباس حتى أصبح هو سنده في كل ما استهدفه من مشاريع تطوير الأزهر ومدرسة تخريج القضاة.


(١) (٣٨) الكتاب المذكور انظر (١٦٤ - ١٦٥).
(٢) (٤٠) ((الإسلام في الغرب)) (١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>