[ثانيا: بيان المقصود بالإنسانية أو العالمية أو الأممية]
الإنسانية مذهب إباحي هدام، ودعوة خادعة من قبل دهاة أعداء الدين، وهو مذهب جديد براق من المذاهب الكثيرة التي أنتجتها العقلية الأوربية في الأساس في خضم الصراع مع الكنيسة، وفي خضم انتشار المذاهب الباطلة في ذلك الوقت، وقيل لها إنسانية نسبة إلى الإنسان، وقيل لها عالمية أو أممية لدخول كثير من المفكرين من مختلف البلدان الأوربية وغيرها فيها، قوي أمرها في نصف القرن الثامن عشر، عصر التحرر في أوربا، ظهرت في إيطاليا، ثم انتشرت إلى البلدان الأخرى، ونادى أهلها بأن يتفق ويتآلف جميع الناس تحت اسم الإنسانية بسبب اشتراك جميع الناس في أصل الخلق مع إغفال كل الفوارق بينهم مهما كانت تلك الفوارق دينية أو غير دينية، قومية أو وطنية، أو غير ذلك من الروابط، فلابد أن يكون التجمع على الإنسانية وحدها بدلا عن الكنيسة وتعاليمها، وأن الدين أمر شخصي بين الله والإنسان كما كانوا يزعمون في بدء أمرهم، فالوطن للجميع، ولا قيمة حقيقية لتجزئة الأرض أو فصل بعضها عن بعض بحجة اختلاف الناس في دينهم وسلوكهم، فإن هذه الأمور تحث على التعالي وتثير جذوة الخلافات والأحقاد بخلاف ما لو اتفقوا على أن تكون الأرض وطنا للجميع وتجمعهم الإنسانية، وعلى أن يوجد دين موحد للكل تحت راية واحدة بعد أن تسقط جميع الأديان وجميع القوميات والوطنيات في يوم ما، حسب تقديراتهم، فتأتي حينئذ الحياة السعيدة القائمة على المحبة الإنسانية وتتوحد العواطف والأفكار ويعيش الناس كلهم على قلب واحد تعمهم الألفة والمحبة والترفع عن كل شيء يعرقل ظهور الحب بين جميع أفراد البشر حسب خداع الماسونية، والإنسانيون ينتظرون اليوم الذي يجتمع فيه الناس كلهم على مبادئ الإنسانية ويعيشون في ألفة ومودة؟!! بعيدين عن أي مؤثر آخر من الوطنية أو القومية أو الدين حين تسمو أفكار المجتمعات البشرية ويتوحدون على أساس هذه الأخوة الإنسانية، وهي آراء جذابة، ولكنها دعوة خداعة وأنى لها أن تتحقق، والواقع يكذبها ليلا ونهارا بهذه الحروب الأهلية والدولية والنزاعات المستمرة مما يشكل صفعة في وجوه دعاة الإنسانية والقومية والوطنية وسائر الدعوات الجاهلية، وأنها خدع وهمية وخيالات فارغة كما سنذكره في الرد عليهم.