للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثالث عشر: نقض الأسس التي قامت عليها القومية]

لم يكن لدعاة القومية أسس خاصة في الدعوة إليها وأنى يجدون ذلك وهم مختلفون فيما بينهم اختلافا كثيرا فلم يجدوا غير آراء تصوروها لبناء القومية ثم اختلفوا أيضا فيها – شأن الباطل دائما – وقد عرفت فيما سبق أن من القوميين من ذهب إلى أن أساس القومية هو الاتحاد في اللغة ومنهم من قال الاتفاق في التاريخ ومنهم من جعلها الأرض ومنهم من قال هي المصلحة المشتركة بين أفراد الأمة، ولعل سبب اختلافهم يعود إلى هذه الآراء التي لا تركن إليها النفس تماما ولا تصل إلى حد القناعة التامة فلهذا كل أدلى بدلوه أو رمى بحجره عله يصيب.

(أ) أما اللغة

فالقول بأنها رباط قومي كذب ينقضه واقع حياة الناس فقد وقع أن أمما كثيرة تتكلم لغة واحدة ولكن بينهم من التفاوت بل والعداوة ما لا يخفى وأقرب مثال على ذلك العرب أنفسهم فهم يتكلمون لغة واحدة ولكن كم الفرق بين العربي اليهودي والعربي النصراني والعربي المسلم والعربي المشرك؟ بل وأين المسلم من غير العرب من غيره أيضا ممن يتكلم بلغته؟ ولماذا لم تتحد أمريكا وبريطانيا في قومية واحدة ما دامت اللغة الإنجليزية تجمعهم؟ وبالتالي يقال لهم كيف تجمع أهل سويسرا واتحدوا مع أنهم يتكلمون ثلاث لغات دون تمييز بينها (١) وكثير من الأمم على هذا النحو لم يكن للغة أي تأثير في سير حياتهم وانتماءاتهم وإنما هي لإتمام مصالحهم الدنيوية.

(ب) وأما التاريخ

فإن التاريخ مراحل تمر بها البشرية تشتمل على صعود وانحدار على خير وشر وتقدم وتأخر في جميع نواحي الحياة ويحوي كذلك اختلافات كثيرة أما بالنسبة للمسلمين فإن تاريخهم الحقيقي المشرق إنما يبدأ بظهور الإسلام يحنون إليه خلفا عن سلف إلا من أفسدت الحضارة الأوروبية فطرته منهم حين يحن إلى الحضارات الجاهلية السابقة ويتباكى عليها ويفتخر بها ويود بجدع الأنف لو عاد عهدها وهي حضارات قديمة عاشها أهلها بخيرها وشرها ولم يعد لها في حياتنا الإسلامية أي أثر وبالتالي تكون المناداة بإقامة القومية على تلك الحضارات إما بسبب الجهل المطبق وإما لأغراض أخرى وفي أولها الانفلات من الشريعة الإسلامية وربط المسلمين بالغرب أو بالشرق بعيدا عن كتاب ربهم وسنة نبيهم.

لأن هؤلاء الدعاة قد تشبعوا بثقافات وتاريخ تلك الأمم المعادية للإسلام فلا يعرفون بعد ذلك مسلكا إلا الانضواء تحت الرايات الجاهلية وكل إناء بما فيه ينضح.

وأنى للتاريخ المشترك أن يوجد الألفة الحقيقية بين المختلفين فكريا وعقديا فليس وراءه لا ثواب ولا عقاب يرجى بعد الموت فأي مبرر يجعل الإنسان يؤثر غيره على نفسه ولو أدى إلى موته هو؟

(ج) أما الأرض


(١) انظر: ((العبودية)) لابن تيمية، كاملا.

<<  <  ج: ص:  >  >>