للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاشرا: هل المسلمون في حاجة إلى التجمع حول القومية؟ من البديهي أن يأتي الجواب بالنفي مطلقا والأمر واضح تمام الوضوح فقد أغنى الله المسلمين عن التجمع حول أي فكر جديد أو شعار أو حزب بل إنه حارب كل تجمع يقوم على غير هديه القويم معتبرا المسلمين كلهم إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: ١٠] " ((المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا)) (١) ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)) (٢).ونصوص أخرى كثيرة في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه كلها تحث المسلمين على أن يكون تجمعهم وتفرقهم وحربهم وسلمهم ومعاداتهم وموالاتهم كلها قائمة على هدى الله عز وجل لا إلى العرب أو العروبة أو القومية أو الوطنية فهي وغيرها شعارات جاهلية يبغضها الإسلام ويحاربها وكل دعوى لا تلتزم هدى الله فهي دعوى جاهلية يجب الحذر منها ولقد أعلنها المصطفى صلى الله عليه وسلم صريحة حيث قال للأنصاري الذي قال يا للأنصار وللمهاجرين حين قال يا للمهاجرين قال صلى الله عليه وسلم: ((ما بال دعوى أهل الجاهلية)) (٣) وفي رواية ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم)) (٤).وفي بعض الروايات قال لمن افتخر بعروبته ((دعوها فإنها خبيثة)) (٥) وفي رواية ((فإنها منتنة)) (٦) وفي بعضها ((دعوها فإنها ليست لكم بأب ولا أم)) (٧). لأن الإسلام أراد أن تجتث شجرة التعصب الخبيثة من أساسها لأن ثمارها لا خير فيها لأحد بل فيها العداوة والبغضاء والكبرياء والأحقاد وكل المساوئ والرذائل وأنها لا تؤلف القلوب بل تنفرها وتثير فيها كوامن حب التعالي والبغي بغير الحق فلا تفيدهم لا في دينهم ولا في دنياهم. ولقد جربت هذه الفكرة قديما وحديثا فكانت فاشلة تافهة ما إن يحصل خلاف وخصام بين أصحابها إلا ورموا بها عرض الحائط وصار بعضهم لا يخاف في الآخر إلاً ولا ذمة فهو لا يخاف من اختراقها نارا حامية ولا يرجو من تطبيقها جنة عالية فتكون النتيجة كما قال أبو فراس " إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر " (٨).

وقد وضح لكل عاقل أن القومية لم تقدم أي نفع للناعقين بها بل إنها كانت معول هدم وتخريب وبغي فأي حاجة للمسلمين إلى النعرات الجاهلية بعد أن أعزهم الله بالإسلام الذي أكمله الله لهم ورضيه لهم إلى يوم القيامة. وجعل أحكامه شاملة كاملة وافية بجميع ما يحتاج إليه البشر لسعادتهم في الدارين أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:٥٠].


(١) انظر: ((مدارج السالكين)) (١/ ٣٦٦)، و ((معارج القبول)) (٢/ ٢٢).
(٢) انظر: ((نواقض الإيمان الاعتقادية)) (٢/ ١٨٣).
(٣) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٢٨/ ٥٤٨ – ٥٥١).
(٤) انظر: حول استحلال الحكم بغير ما أنزل الله ((مجموع الفتاوى)) (٢٧/ ٥٨)، ((الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه)) (ص ١٦٥).
(٥) انظر: ((الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه)) (ص ١٥٩ - ٢١٠).
(٦) انظر: ((تحكيم القوانين)) (ص ٥) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (١/ ١٣٧، ٤/ ٤١٦).
(٧) ((تحكيم القوانين)) (ص ٦)، وقد نقل الدكتور المحمود نصوص خمسة عشر عالما يكفرون هذا النوع من الحكم بغير ما أنزل الله، انظر (ص ٧٥ – ٢٠٤).
(٨) انظر تفصيل ذلك في: ((الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه)) (ص ٢٠٥ – ٢٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>