للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حادي عشر: انتشار العلمانية في ديار المسلمين وبيان أسباب ذلك]

عرفت مما سبق أن المسلمين ليس بهم حاجة إلى العلمانية، ومع ذلك فقد انتشرت العلمانية في ديار المسلمين انتشاراً قوياً، وأوجد لها أعداء الإسلام عملاء من أهل كل بلد ينوبون عنهم في نشرها بالحيل أحياناً وبالقوة أحياناً أخرى، وكان هؤلاء النواب أشد من ملاحدة الغرب شراسة وإلحاداً، وأشد جرأة وتعسفا لأبناء جنسهم في إرغامهم على قبول اللادينية وربوا عليها أجيالهم، وأصبحت في كثير من البلدان أمراً مسلماً به، وحلت محل الإسلام في كل ناحية مع التظاهر عند البعض بالتزام الإسلام.

والأمثلة لا تخفى على القارئ، فقد أصبحت تركيا دولة علمانية لا دينية على يد المجرم "أتاتورك"، الذي قطع كل صلة لتركيا بالإسلام والمسلمين، والذي كان على يديه إسقاط آخر خليفة مسلم في الدولة العثمانية، وإسقاط الدستور الإسلامي واستبداله بالقانون المدني السويسري، وقانون الجزاء الإيطالي، والقانون التجاري الألماني، وغيرها من القوانين الوضعية الجاهلية، وتعهد بإخماد كل حرمة إسلامية، وربط تركيا مباشرة بالدول الغربية، وكان من نتائج ذلك أن تمزق المسلمون ولم تعد لهم جامعة تجمعهم ولا رابطة تربطهم، وهو ما تحقق لأعداء المسلمين من المستعمرين، ولا يزال حكام تركيا يتزلفون إلى الغرب، ولم تكن تركيا وحدها هي الضحية، بل كانت كل الدول الإسلامية التي كانت خاضعة للاستعمار الإنجليزي أو الفرنسي، أو غيرهما، دخلتها العلمانية من أوسع الأبواب، وأدخلت تلك الدول كلها في ظلمات العلمانية، وأقصي عنها التشريع الإسلامي بالقوة مثل ما حصل في الهند على يد البريطانيين، وفي تونس على يد الفرنسيين، وقويت العلمانية كذلك في مصر وأصبح لها كتاب يدافعون عنها، بعضهم كان ينتسب إلى الأزهر مثل "علي عبد الرزاق"، و"خالد محمد خالد" الذي يُقال إنه رجع عن ذلك.

ولا تزال الدول الإسلامية في مد وجزر في تقبل العلمانية أو ردها، وإن كانت الأكثرية قد انخدعت ببريق العلمانية ومنجزاتها الحضارية المزعومة، بل لقد أصبح الكثير من الزعماء يراهن على بقائه في الزعامة في تزلفه لأقطاب العلمانية اللادينية في الشرق أو في الغرب، وبما يقدمه من خدمات في استيراد العلمانية ومحاربة الشريعة الإسلامية وممثليها، ولا يكتفون بهذا الإجرام، بل يضيفون إليه أن الشعوب هي التي تطلب ذلك، والساسة يذبحون الشعوب بأيدي الشعوب، ويتم كل ذلك دون أن تعلم الشعوب شيئا عما يجري في الخفاء وراء الكواليس في الشرق أو في الغرب، مع أن كل عمل إنما ينفذ باسم الشعب، وأين الشعب وأين ما يجري وراء الكواليس.

الأسباب التي أدت إلى انتشار العلمانية في بعض ديار المسلمين

مما لا شك فيه أن انتشار العلمانية اللادينية أو غيرها من المذاهب الباطلة إنما تنتشر في غفلة العقل وخواء النفس عن التمسك بالمعتقد الصحيح، وفي الوقت الذي يرى فيه الإنسان حسنا ما ليس بالحسن من جراء الدعايات البراقة أو الضغوط الشديدة.

وفيما يلي نبين بعض تلك الأسباب التي أدت إلى انتشار العلمانية في ديار المسلمين، ويمكن أن يكون من أول الأسباب كلها:

<<  <  ج: ص:  >  >>