[ثاني عشر: إبطال فكرة القومية]
إن أول ما يدل على بطلان فكرة القومية وأنها شر لا خير فيها أن وراء قيامها اليهود والنصارى وسائر الملاحدة فماذا ننتظر أن تأت به من الخير للبشرية أو للمسلمين بخصوصهم بعد هذه التيارات المنشئة لها.
ألم يكن غرض القوميون هو تفتيت أي مجتمع متماسك والانفراد بكل تجمع لا يتفق وأهدافهم؟
ألم يتفرق المسلمون بعد دخول القوميات بينهم اعتزاز كل قطر بقوميته ومآثره الجاهلية؟ وأصبح المسلمون بصفة عامة لا يلوي بعضهم على بعض بعد أن تقطعت الدولة الإسلامية إلى أوصال ممزقة يقاتل بعضهم بعضا في حروب أهلية تأخذ الأخضر واليابس والقومية تمدهم بكل المبررات لهذا السلوك الذي حذر منه الإسلام؟
وبالرغم من تلك المناداة الجوفاء التي أطلقها دعاة الفكرة القومية من أن الناس سيعيشون في منتهى السعادة حينما يطبقون تعاليم القومية بحذافيرها وأن كل قطر يلتزم بها سيصبح محترما فكانت النتيجة أن حل بهم الشقاء والذل سواء أكانوا من العرب أو من غيرهم بل لقد شقى بها من كان مهد نشأتها من الدول الأوروبية ونداءات من ينتسبون إلى العرب بخصوصهم إنما هي دلالات على حمقهم ورعونتهم وإلا فأي مستند لهم أفي القرآن الكريم؟ أم في السنة النبوية؟ هل وجدوا نصا فيهما يمجد العروبة أو يدعو إليها؟ كلا.
نعم ورد في القرآن الكريم ما يفيد نسبة الشخص إلى قومه وهذا معروف فإن لكل شخص قوما وفيه نسبه بحسب الواقع وهي أمر معروف وبدهي وليس في القرآن الكريم الافتخار بالقومية أو الدعوة إلى التجمع حولها أو جعلها بديلا عن الدين بل ما ورد في السنة يدل على عكس ذلك حيث وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها دعوى جاهلية وأنها خبيثة يجب الانتهاء منها.
ودعاة القومية تجدهم في تلمسهم لأي أمر يمدحون به القوميات الجاهلية يذكرون بعض الصفات الحميدة من الصدق والكرم والشجاعة والإيثار ونحو ذلك ويجعلونها حضارة عريقة لهم ويهولون من أمرها ليحببوا الناس إلى الرجوع إليها. ويكرون كذلك بعض الآثار من العمران أو التحف ثم يقفون أمامها خاشعين ذليلين زاعمين أن أهل العصور المتأخرة لا يمكنهم بحال عمل ذلك أو ما يقاربه وذلك ليملأوا فراغ قلوب من يصغون لكلامهم ممن قصر فهمهم للإسلام.
ومن غرائب الأمور أن ينادي القوميون سواء أكانوا من العرب أو من غيرهم بأن في التمسك بالقومية تحقيق للوحدة والتآلف فهل تمت الوحدة الشاملة التي ينادي بها زعماء القومية العربية أو غيرهم أم أن القومية كانت هي المعول الهدام للوحدة في كل بلد حلت به من بلدان العرب أو من غير العرب فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور [الحج:٤٦٦].
لقد ظن دعاة القومية – إن أحسنا بهم الظن – أنها رابطة حقيقية لتوحيد من يتعصبون لهم أيا كانت تلك القومية إما وطنية أو اللغة بعينها أو تاريخا مشتركا ولكنها في الحقيقة سراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
فقد ثبت بتجارب الأمم على مر التاريخ أن الذي يوحد الناس حقيقة ويؤلف بين قلوبهم ويجعلهم كالجسد الواحد أو كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا إنما هو الالتزام بمنهج الله تعالى ودينه القويم وما عدا ذلك فإنه خدع وتضليلات يراد من ورائها مصالح بشرية تزول بزوال تلك المصالح شأن التشريعات والاجتماعات الجاهلية التي أبت شرع الله تعالى ورضوا بالتحاكم إلى الطاغوت والاجتماع على ما يمليه عليهم.
وعلى القوميين أن يتفهموا مقالة الناس"الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل"، أو قولهم "الاعتراف بالحق فضيلة".