قيل إن بعض هؤلاء الرأسماليين الجشعين قيل له عند موته ماذا تتمنى؟ فذكر أنه يتمنى لو أنه يملك من المال كذا وكذا ويتمنى لو أن شفايف النساء كلهن تجتمع له في شفة فيقبلها لأن غرضه في هذه الحياة هو الوصول إلى مآربه والاستمتاع بكل ما يراه دون ضوابط أو ضمير.
ومما سبق يتضح أن نظام الإسلام حتى وإن وجد بعض التوافق بينهما فقد تبين لك
١ـ أن الرأسمالية نظام بشري اقتضته الظروف المعيشية في الغرب لمبررات عديدة بينما الإسلام نظام إلهي فالفرق كبير.
٢ـ كما أن الإسلام نسبة إلى الاستسلام لرب العالمين والرأسمالية نسبة إلى الاستسلام للمال وكيفية جمعه وادخاره.
٣ـ تضمن الرأسمالية للفرد حرية الملك دون أي قيد أما الإسلام فإنه وإن أباح حرية التملك لكنها حرية منظمة محكومة بالقاعدة المشهورة في الإسلام " لا ضرر ولا ضرار"
٤ـ لا تعارض الرأسمالية قيام جمع المال بالوسائل التي يحرمها الإسلام ويحذر منها كالربا والغش والاحتيال والاحتكار بينما الإسلام يحرم كل ذلك.
٥ـ الرأسمالية تشجع على المنافسة والمزاحمة في العمل وإيجاده وإنجازه دون حد والإسلام يشجع ذلك لكنه ينظم تلك المنافسة فلا يجعلها على شرعية " من عز بز ومن غلب استلب" دون مراعاة الفقراء أو تحطيمهم اقتصاديا.
٦ـ ليس في الرأسمالية نظام التكافل الاجتماعي كالزكاة ودورها في سد حاجات الفقراء بدون من ولا أذى حيث يأخذ الفقير حقه دون أي شعور بالذلة لأحد بينما يوجد في الرأسمالية نظام عائدات الضرائب التي يعطى الشخص بمقدار ما يسمح به رصيده.
٧ـ الرأسمالية تعطي للفرد الحق في مطلق التصرف فيما له دون أي اعتبار حتى ولو أنفقه في العبث والإسراف وأنواع المحرمات بينما الإسلام يعطيه الحرية ويحدد له مسار الإنفاق المشروع وغير المشروع فحرم إنفاقه في أشياء كثيرة كالخمر والقمار والميسر وأنواع اللهو.
٨ـ لا يوجد في الرأسمالية بعض قضايا التكافل الاجتماعي المفيد كالإرث مثلا فإن الرأسمالية لا ترى بأسا أن يجعل الشخص أمواله بعد موته في أي محرم ولو كان ذلك المال يصرف على كلب المالك أو خنزيره.
أما الإسلام فإنه يعترف بالحفاظ على الانتفاع بالمال في كل طريق شرعي ومنه الإرث فإنه ملك شرعي للمال وكذلك مثل (الوصية، الهبات، الصدقات .. )
ونحو ذلك مما رغب فيه الإسلام.
٩ـ الإسلام يجعل الشخص حسيب نفسه فيثير فيه المراقبة الذاتية لله تعالى في الخوف من عقاب الله والطمع في ثوابه فلا يسمح أن تكون النظرة موجهة فقط للربح وهذا الجانب لا يوجد في الرأسمالية فكل واحد حبله على غاربه فيها.
وقد حاول النظام الرأسمالي إيجاد البديل كدعوى الإنسانية وبعض قوانين العقاب المالي أو البدني لكنها لم تثمر الثمرة المرجوة أو الموجودة في مراقبة الله وحده.
١٠ ـ قانون المنافسة والمزاحمة في العمل أدى إلى ظهور الغربة الجامحة لدى المالكين إلى البحث عن السعر المنخفض وتخفيض أجور العمال بل والتحايل لإسقاطها بينما الإسلام ينهى عن كل ذلك فلا يبيح الغبن لا في البيع ولا في الشراء ولا في الأجرة فهو يعطي الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه وفيه الخيارات في البيع التي حددها الفقهاء كما يحرم الإسلام كل وسيلة تؤدي إلى الخصام والعداوة والاختلاف.
١١ـ الحريات في الرأسمالية لا تقف عند حد فإن حرية الكلمة يدخل فيها حرية التبجح بالفجور والإلحاد والحرية الشخصية يدخل فيها استحلال جميع الفواحش وحرية الأديان يدخل فيها إباحة الإلحاد إضافة إلى ما فيها من الغبن الفاحش وظلم الفقراء أما الحرية في الإسلام فهي مصونة بضوابطها الشرعية في مراعاة الحقوق كلها حق النفس وحق الغير.
١٢ـ يعيش الرأسمالي في قلق دائم بعد أن افتقد اليقين بأن الله هو الرزاق لجميع خلقه وقد ظهر قلقهم في ما يسمونه الانفجار السكاني أو ندرة الموارد وزيادة الحاجات وما إلى ذلك مما يجعل الناس يعيشون في قنوط وتخوف متناسين ما تأخذه الأمراض والحروب والحوادث من نفوس في كل ساعة لا يعلم عددهم إلا الله تعالى.
١٣ـ ينعدم في الرأسمالية العطف والتراحم والمحبة بسبب قيام المجتمع الرأسمالي على النظام الطبقي طبقة الأثرياء الرأسماليين وطبقة الفقراء العمال فالطبقة الأولى لا يهمهم إلا جمع المال وتوفير المكاسب بأي وجه يكون ومما يدل على الجفاء في النظام الرأسمالي هو حرق المنتجين لبعض منتجاتهم حفاظا على ارتفاع الأسعار رغم أنين الجياع في أكثر من مكان من الأرض أما الإسلام فإنه يجعل من أوليات العلاقة بين الناس العطف والإنصاف والإيثار وحسن المعاملة بأن يحب الشخص لأخيه كما يحب لنفسه ورتب على نبذ الشح الفلاح كما قال تعالى: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:٩].
المصدر:المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي ١/ ٦٦٧