ظهرت النتائج لدى العالم الإسلامي في صورة شنيعة يمثلها قصور المفكرين والعلماء المسلمين في الإحجام عن دراسة العالم الغربي بجد وبيان أفكاره والأخطار التي ستحل بالأمة الإسلامية إن لم يضعوا حدا لذلك الغزو. لم يحصل هذا مع شدة حاجة أبناء المسلمين إلى تفهمه والحذر منه بل إن الذي حصل هو ضد هذا وهو اشتغال بعض المفكرين دارسي الإنجليزية من المسلمين بترجمة كتب أولئك في ميادين القصص الغرامية العابثة والأخبار التافهة وفي مغامرات بعض أقطاب الغرب وسيرهم التي تمجد أقطابهم وتوحي للقارئ بعظمة أولئك في شتى الميادين أو ما كان منها يوحي بحياة العصبية والوطنية والقومية والتعالي على الآخرين والعودة إلى الافتخار بما عفى عليه من حضارات قديمة بزعمهم وأنه يجب العودة لها تحت أشكال متعددة وساعدهم أصحاب الأموال الغربية بكل ما يحتاجونه لتحقيق ذلك ولعل القارئ قد سمع في الإذاعات الغربية خصوصا لندن ومونت كارلو وواشنطن لعله سمع ما حصل من الاحتفال المهيب في أول هذه السنة ١٤١٩هـ بترميم تمثال " أبي الهول " وأنه بلغت تكلفة ترميمه عشرة ملايين دولار وإن العمل استمر في ذلك قرابة عشر سنوات وكان الاحتفال بالانتهاء منه يوما مشهودا حضره رئيس الدولة وعدد غفير من الوجهاء والأعيان وسفراء بعض الدول العربية وسفراء الدول الغربية وتبرع" روكفلر " المليونير اليهودي بمبالغ هائلة – غير مشكور عليها – للبحث عن الآثار الفرعونية وبنى معهدا لأجل ذلك على نفقته لسد الحاجة إلى الفنيين لنبش الآثار الفرعونية في الوقت الذي كان الشعب المصري في أمس الحاجة إلى المساعدة المالية لسد ما دمرته البراكين التي ثارت فيه وأصبح كثير من السكان بدون مأوى ولا غذاء إلا من بعض المساعدات التي كانت تذكر إذاعة القاهرة أنها لا تكفي لإعادة الأمور إلى حالتها الطبيعية وليس هذا فقط فقد أتخموا العالم الإسلامي بالدعوة إلى إحياء ما يسمونه الفن بجميع أشكاله وإيجاد كل ما يتطلبه الأمر من بناء مساكن ومدارس وإيجاد مدربين .. إلخ وقد تحقق الكثير من إحياء هذا الفن الذي كان أكثره موجه لتدمير الأخلاق الإسلامية والعفة ونزع الحياء من وجوه الفتيان والفتيات الناشئين وانتعشت حركة الفن هذه حتى أصبحت ذات رسالة – كما يعبرون عنها – وأصبح تحقيقها يعتبر – على حد زعمهم – رسالة ومفخرة وطنية يجب تمجيدها وتقديسها وحينما تتم المقابلة بين أحد الفنانين في الإذاعة يقول له المذيع: ماذا تتمنى فيقول: أتمنى على الله أن يوفقني لإكمال الرسالة؟!
والقارئ يدرك السبب من وراء هذا الاهتمام من قبل الغرب بجوانب الفن المزعوم والإنفاق السخي على نبش الآثار لأنهم عرفوا أن هذه الأمور هي مقصد الكثير من الناس للتسلية وأنها ذات أثر جذاب على كل الناس مهما كان التفاوت بينهم في المعرفة والأعمار أيضا ومن الغريب أن تسمع كثيرا من وسائل الإعلام عند المسلمين يأتي مصدر البرامج فيها إما تمثيلية غربية أو ترجمة لكاتب غربي أو خدمة لكتاب غربي كذلك حتى ليخيل للسامع العادي أن الحضارة الإسلامية لا شأن لها إلا بالمساجد وإقامة الصلاة فيها فقط وأنها لا بديل فيها عن تلك البرامج الغربية وهذا الظلم للحضارة الإسلامية سببه جهل أبناء الإسلام وكيد أعدائه فأصبح الإسلام بين أمرين أحلاهما مر بين جهل أبنائه وكيد أعدائه.
الدعوة إلى خلط الفكر الإسلامي بالفكر الغربي بدعوى تقارب الحضارتين والسير معا لخدمة الإنسانية