للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المعروف أن الحقد الصليبي، وخصوصا نصارى العرب جمرة مشتعلة لا تنطفئ إلا أن يشاء الله تعالى، ولقد أخبرنا الله عز وجل في كتابه الكريم أن اليهود والنصارى لا يمكن أن يرضوا عن المسلم حتى يتبع ملتهم ويتخلى عن دينه الإسلامي، فقال عز وجل عن ذلك ومؤكدا عليه: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:١٢٠]، ولقد وقف النصارى ضد الإسلام منذ بزوغ فجره إلى اليوم وكان بين النصارى وبين أتباع الإسلام من الحروب وسفك الدماء ما لا يعلمه إلا الله، ولا يقف عدو للإسلام إلا وقف النصارى إلى جانبه مؤيدين له، ولا يجهل طلاب العلم شراسة الحروب الصليبية التي خاض غمارها جحافل الصليب يؤجج نارها طغاة الكنيسة الذي كانوا يضمنون الجنة لكل من حمل صليبه وسيفه لحرب المسلمين التي كانوا يسمونها جهادا في سبيل الله وحربا مقدسة.

وقد استمرت عداوة العالم الغربي النصراني للإسلام والمسلمين راسخة في قلوب النصارى حتى بعد أن أدار العالم الغربي ظهره للنصرانية إذ لم تمنعهم عداوتهم للدين النصراني من شدة تعصبهم لما وقع في أسلافهم تحت السيوف المسلمة، فقد أصبحت عداوتهم للإسلام أمراً موروثاً بالفطرة، واستحكمت العداوة إلى الحد الذي أصبح من المستحيل أن يبقى أدنى عطف في قلوب النصارى على أي مسلم، ولكنهم ينافقون المسلمين بأنواع النفاق كلها تحت مسمَّيات عديدة، واشتد العداء للإسلام بسبب وقوفه ضد مطامعهم وضد طغيانهم الجديد الذي أعقب طغيان رجال الكنيسة، وبسبب دعوة الإسلام إلى التحرر من كل الخرافات والأوهام وإلى تحريمه الذل للكفار والاستكانة لهم، وغير ذلك من الأسباب الكثيرة الظاهرة والخفية.

ولقد اتخذت عداوة النصارى للإسلام ومحاربتهم له أشكالا مختلفة ومظاهر عدة، ابتداء بحمل السلاح وتجييش الجيوش النظامية إلى الالتجاء للخداع والمكر المتمثل في غزوهم الفكري للعالم الإسلامي تحت عدة أقنعة من التنصير إلى الاستشراق إلى استجلاب أبناء المسلمين وتنصيرهم بطرقهم المختلفة من بناء المدارس لهم والمستشفيات وإنشاء شتى المرافق التي قدمنا ذكرها، ونشطوا في ذلك نشاطا عاليا أثمر فيما بعد استيلاءهم على العالم الإسلامي حسيِّا ومعنويا، وعلت حضارتهم المادية التي يفاخرون بها على حضارة الإسلام، علت في قلوب مريضة أصيبت بالانبهار بما عند الغرب من صناعة وفكر ونظام، سهل بعد ذلك تسرب العلمانية إلى عقول وجهاء وأصحاب نفوذ صاروا ربائب لأكابر وجهاء العلمانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>