٣ - قدرة العلمانيين الكبيرة لأنهم أبناء الفلاسفة في توجيه الاتهامات، وإثارة الشكوك مما جعلهم يتهمون الحكومات والجماعات والأحزاب والأفراد بتهم متنوعة، فهذا متطرف، وهذا عميل، وهذا ضعيف، وهذا حرامي، وهذا كذاب، وهذا أحمق، وهذا إرهابي، وهكذا .. فحتى الأعمال الخيرية لم تسلم من تشويه أهدافها مع أن أعمالها ظاهرة جداً في كفالة الأيتام، ومساعدة الفقراء، وبناء المدارس والمستوصفات والمساجد، ولم يقتصر التشكيك على الواقع ومن فيه بل امتد حتى تاريخنا، وأخذوا يكذبون كل ما فيه من إيجابيات، ويصدقون كل ما كتب عنه من سلبيات، بل يضيفون لها سلبيات جديدة، ولو صدقنا هذه الاتهامات لفقدنا ثقتنا في كثير مما في واقعنا من حكومات وتجمعات وأفراد ومؤسسات، ولتركنا العمل، وتقاعسنا عن المشاركة في البناء، ومن جهل العلمانيين ظنهم أن هذه الاتهامات لن يكون لها نتائج مريرة تفسد الود والوحدة والاحترام والتفاؤل، ومن طبيعة البشر أن يكرهوا من يتهمهم حتى ولو كان صادقاً، فكيف لو كان كاذباً أو جاهلاً يتبع الظنون؟ وكثيرا ما يكون الكلام أشد فتكاً في النفوس والشعوب من الرصاص، ويشعل من الكراهية والعنف الشيء الكثير، ويؤدي إلى التفرق والضعف، ونحن لسنا ضد الحوار العلمي الهادئ الباحث عن الحق والموضوعية والاعتدال ولكننا ضد اتهامات كاذبة وباطلة لعقائدنا وقيمنا وتاريخنا.
٤ - قال الدكتور فؤاد زكريا "أما التجارب التاريخية، فلم تكن إلا سلسلة طويلة من الفشل إذ كان الاستبداد هو القاعدة والظلم هو أساس العلاقة بين الحاكم والمحكوم والعدل والإحسان والشورى وغيرها من مبادئ الشريعة لا تعدو أن تكون كلاماً يقال لتبرير أفعال حاكم يتجاهل كل ماله صلة بهذه المبادئ السامية"
أي قارئ لهذا الكلام سيصاب باليأس والتشاؤم إذا صدقه، ولكن الحقيقة غير ذلك فقد حققنا سلاسل من النجاح فأنشأنا دولا عظمى، وحققنا الوحدة السياسية لعالمنا العربي عدة مرات، وحققنا كثيرا من العدل والرحمة والشورى .. الخ وحققنا انتصارات عسكرية وتطوراً اقتصاديا وعلميا وثقافيا، فالخلافة العثمانية كانت دولة عظمى لعدة قرون، وغير ذلك كثير، فهل حققنا هذا من خلال الاستبداد والظلم!! ولا شك أن الشورى طبقت مرات كثيرة، وكذلك العدل، وأغلب دولنا كانت العلاقة فيها طيبة بين الحكومات والشعوب وكان هناك مبادئ وأعراف تفرض العدل والاحتكام إلى الشريعة، وكلنا يعرف أن التكافل الاجتماعي قوي في المجتمع المسلم، ومن المعروف أن الإنجازات الطيبة التي تم تحقيقها كثيرة في عصرنا الحالي، ولكن العلمانيين يشككون فيها، أو في أصحابها، فهم يحطمون الأمة باليأس، ولاشك أن الهزيمة النفسية هي من أخطر أعداء الأوطان والأمم، فهي أخطر من الهزائم العسكرية والتخلف التكنولوجي والفقر، ويريد منا أعداؤنا أن نيأس وأن يشك بعضنا في بعض وهذا ما يفعله العلمانيون، بل وما يصرون عليه حتى لا تكاد تجدهم يمدحون أحدا في الأمة، وأمة لا تثق في حكوماتها وعلماء الإسلام وقيادتها لا شك أنها أمة ستبقى ضعيفة، فلابد أن نحذر من البيئة الملوثة التي صنعها العلمانيون فقتلت الحماس والبناء، والعلمانيون هم طابور خامس من حيث يدرون أو لا يدرون.!!