للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي التي يسميها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الشرع المنزل وهو ما شرعه الله ورسوله من الأقوال والأعمال مما ليس للاجتهاد فيه مجال. وحقيقته: اتباع الرسول والدخول تحت طاعته, واتباع هذا الشرع واجب, وليس لأحد إلا التسليم والإذعان كما قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا [الأحزاب:٣٦].

وقال جل وعلا: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء:٦٥] ....... ومجال هذه الثوابت إنما يكون في كليات الشريعة ومسائل العقيدة وأصول الفرائض وأصول المحرمات وأصول الفضائل والأخلاق, وأبرز ميادينها: العقائد والعبادات والأخلاق وأصول المعاملات (١).

وتأسيسا على هذه المعرفة الكلية الواضحة لمصطلح الثوابت, وانطلاقا من تحديد مجالات الثوابت وميادينها نأتي الآن لذكر الشواهد والأمثلة الكلية والجزئية من كتابات العصرانيين التي توضح للقارئ الكريم حجم التشكيك والنقد الذي طال الثوابت من جهتهم وهم يعبرون عنها تارة بالمسلمات, وتارة بالحتميات, وتارة بالمعرفة الأولى .. إلخ, وهي دعوة خطيرة تكشف عن حقيقة ما يطرحونه من فكر.

ذكر الشواهد والأمثلة الكلية العامة:

أ- خالص جلبي يدعو إلى أن يتجاوز العقل نطاق الثوابت الدينية ويقفز عليها, فيقول: "المواطن العربي اليوم محاصر في مثلث من المحرمات, بين الدين والسياسة والجنس, كل ضلع فيه يمثل حاجزا شاهقا لا يستطيع أفضل حصان عربي شيق, أن يقفز إلا بالقفز إلى الإعدام, فأما حائط الدين يطل مفهوم الردة, وأما جدار السياسة يبرز مصطلح الخيانة. وعند حافة الجنس تشع كل ألوان الحرام والعيب, فالعقل مصادر ومؤمم وملغى حتى إشعار آخر" ثم يدعو إلى ثورة عقلية: "لا بد من تدريب عقولنا على النقاش والجدل, وذلك بفتح طرقا عصبية رائدة, فالعقل النقدي حي والعقل النقلي ميت" (٢).

ب- المحمود يشن هجوما ضاريا على الثوابت تحت مسمى (الحتميات):يقول: "لا أريد أن أتحيز إلى تهميش الحتميات, بقدر ما أريد التأكيد على قدرة الإرادة الإنسانية على تجاوزها والتحرر منها مع الإقرار بنسبية هذا التحرر منها تحقيقا لتحرر الإرادة الإنسانية مما سوى الإنساني ... " (٣).

ج- يوسف أبا الخيل ينتقد الثوابت تحت مسمى (النظام المعرفي) ويدعو إلى فتح مجال الشك أمام العقل الناقد بدعوى (نسبية الحقيقة):هـ - يقول عبد الله بن بجاد العتيبي: "إذا فلا بد كمنطلق لعملية التنوير والإصلاح أن يدخل الشك في آلية العقل العربي الإسلامي الحالي أن يشك في قضية جوهرية وهي هل هو قادر على العمل الآن؟ هل آلياته ومناهجه ومنظومته المعرفية صالحة للتعامل مع الزمن الراهن" (٤).و- يقول مشاري الزايدي في مقال له بعنوان: "وصية الغامدي: انج سعد .. فقد هلك سعيد: ولذلك فإن الحديث الذي لا معنى له عن حماية الثوابت, إن هو إلا فرضية ترفية لا تملك وجودًا حقيقيا في دنيا النقد التاريخي كثير من المفاهيم حورت, وشذبت, وتعرضت لإعادة تعبئة, طبقاً للمتغيرات الموضوعية, الإنسان هو من ينتج الفكر, وليس الفكر من يصنع الإنسان, حتى وإن توهم العقائديون الأشداء ذلك! " (٥).

المصدر:التطرف المسكوت عنه أصول الفكر العصراني لناصر الحنيني - ص ١٠٠


(١) ((جريدة الرياض)) الخميس٢٥ ربيع الآخر ١٤٢٦هـ, ٢ يونيو ٢٠٠٥م, العدد: ١٣٤٩٢.
(٢) انظر ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ٥٥١).
(٣) انظر ((الصواعق المرسلة)) (٢/ ٦٣٣، ٧٩٣) لابن قيم الجوزية.
(٤) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٢/ ٩٨).
(٥) ((جريدة الرياض)) , بتاريخ: السبت ١٨ ذي القعدة ١٤٢٧هـ ٩ديسمبر ٢٠٠٦م, العدد ١٤٠٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>