٢) تقوم هذه الوسيلة على التسليم بأن الإسلام له نظام سياسي وأن الإسلام دين ودولة، وهذا أمر لا غبار عليه، ثم ينطلقون من هذا إلى القول بأن مصادر الأحكام السياسية (الدستورية) إنما هي الكتاب والسنة فقط، ويرفضون بقية أدلة الأحكام الأخرى حتى الإجماع عندهم مرفوض في مجال الأحكام السياسية ولو كان إجماع الصحابة رضي الله عنهم.
ثم يخطون خطوة ثانية في مجال تفريغ اعترافهم السابق – بأن الإسلام له نظام سياسي – من مضمونه فيقولون: إن ذكر القرآن الكريم للأحكام السياسية: إنما كان على سبيل القواعد العامة لا الأحكام التفصيلية؛ ومعنى ذلك أنه ليس هناك أحكام محددة يجب التقيد بها في مجال النظام السياسي، وإنما هناك قواعد عامة فقط هي التي يجب التقيد بها وما يترتب على ذلك من إدخال نظام أو طرق غربية إلى النظام الإسلامي بدعوى أنها لا تتعارض مع القواعد العامة.
ثم يخطون خطوة ثالثة لإفراغ المصدر الثاني عندهم وهو السنة من أن يكون مصدرا للأحكام السياسية – الدستورية – فيقولون: إن الأحكام التي جاءت بها السنة منها ما هو تشريع دائم ومنها ما هو تشريع وقتي مرتبط بزمن النبوة، ويقولون – وهم في ذلك كاذبون – أن السنة المتعلقة بالأحكام السياسية – الدستورية – كقاعدة عامة هي من ذلك النوع الثاني الذي يعد تشريعا وقتيا أو زمنيا، ثم لا يكتفون بهذا القدر حتى يضيفوا إليه قولهم: ولا يوجد أحيانا حد فاصل دقيق بين ما يعد من السنة تشريعا دائما، وما لا يعد كذلك وبهذا الطريق يكون هؤلاء قد أفرغوا الكتاب والسنة من أي مضمون يتعلق بالاحتجاج بنصوصهما في مجال مسائل الفقه السياسي – الدستوري -.
٣) ومن وسائلهم في محاربة النظام السياسي الإسلامي: استغلال خطأ بعض الخلفاء أو الأمراء أو الحكام المسلمين، وإلصاق هذه الأخطاء بالنظام الإسلامي نفسه، وتشويهه به.
أو استغلال استكانة كثير من أفراد الأمة – انطلاقا من فهم قاصر لبعض النصوص الشرعية – للظلم الواقع عليها من قبل الحكام، ومحاولة إظهار أن طبيعة النظام الإسلامي هي التي تملي على الشعوب الاستكانة والمذلة لحاكمها، وأن النظام الإسلامي نظام يكرس الاستبداد ويدعو إليه تحت شعار طاعة الأمير.
٤) ومن وسائلهم أيضا القول بأن النظام الإسلامي نظام مثالي – ومثل هذه المقولة قد يفرح بها الذين لا يفهمون اصطلاحاتهم – ومرادهم بهذه المقولة أنه نظام غير للتطبيق، وإذا طبق فهو غير صالح لقيادة الحياة، وذلك لأن النظام المثالي - في عرفهم – لا يصلح إلا لأناس مثاليين، ولما كان الناس غير مثاليين بل فيهم الطيب وفيهم الخبيث، وحتى الطيب فهو عرضة للزلل، يكون النظام الإسلامي - على قولهم – غير قابل للتطبيق، أو غير صالح لقيادة الحياة.
ويكفي في الرد على هذا الزعم الباطل أن يقال: إن النظام السياسي الإسلامي ظل يحكم دولة الإسلام منذ قيامها في المدينة المنورة بقيادة الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ولعدة قرون بعده، وفتح المسلمون في ظله مشارق الأرض ومغاربها، ورفعوا على ربوعها رايات الإسلام، ونشروا الحق والعدل بين الناس، وغيروا وجه التاريخ الإنساني، كل ذلك حدث باسم الإسلام، وفي ظل دولة الإسلام، فهل حدث ذلك في ظل نظام غير قابل للتطبيق، أو غير صالح لقيادة الحياة؟!
٥) ومن وسائلهم أيضا: استخدام الكتابات التاريخية في محاولة تزييف تاريخ الدولة الإسلامية عبر قرونها المتطاولة، ومن خلال هذه الكتابات يصورون تاريخ الدولة الإسلامية المشرق على أنه سلسلة من المؤامرات والخيانات التي يقوم بها حاكم لكي يستولي على السلطة من الحاكم الذي يسبقه، معتمدين في ذلك على: