وتذكر حينما كان أولئك النجباء من صبيان الصحابة كيف يتطاولون أمام النبي ليثبتوا له أنهم كبار ليسمح لهم بدخول المعركة وهو يمنعهم لصغر سنهم.
وتذكر ابني عفراء الصغيرين وقد دخلا المعركة وانقضا على أبي جهل ومزقاه بسيفيهما.
وتذكر أحوالا ومشاهد ومواقف لا تكاد تحصر " تكاد لحسنها تتكلم "، تذكر تلك الأمور ثم انظر حال شباب المسلمين اليوم وقد غرقوا في الموضات وفي تقليد أعداء الإسلام في كل شيء من مأكل وملبس ونعومة وتكسر وميوعة، وانظر كيف يتزاحمون بالمناكب على محلات الحلاقين لعمل موضة وقصات "الأسد" وغيرها وحاشا الأسد منها.
وانظر إلى ابن العشرين اليوم وهو يتدلل كما يتدلل ابن الخمس سنوات، قديما، انظر لحركته وملبسه وشخصيته، هل تجده كفؤا لقيادة الجيش الذي قاده محمد بن القاسم وعمره سبعة عشر عاما لفتح السند والهند.
قاد الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذلك سؤددا من مولد
واستمع للصحابي الذي قال لرستم، وقد تواقف الجيشان: "ليس لكم عندنا إلا ثلاث: إما الإسلام، وإما أن تدفعوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإما القتل".
واستمع لبعض زعماء اليوم حينما يزور الكفار – الذين سفكوا دماء المسلمين – كيف يثني عليهم ويتودد إليهم، ثم يضع الزهور على تمثال الجندي المجهول – أي الجندي الذي قتل المسلمين ولم يعرف اسمه.
واقرأ ما يكتبه كثير من السفهاء والسفيهات في الاستهزاء بالدين وبتعاليمه، خصوصا في قضية الحجاب والعقوبات في الجنايات، واقرأ مدحهم وإعجابهم بما عند الكفار من أنظمة جاهلية يسمونها متطورة، اقرأ واسمع وتذكر ما سبق ذكره وغيره حتى ترى بنفسك مدى تمسك كثير من المسلمين بدينهم في هذه العصور – عصور الفتن والشرور – واسألهم ما بال القومية والوطنية والشعوبية والقبلية وغيرها من النعرات الجاهلية قد أحلوها محل العقيدة الإسلامية وأخوة الدين.
وما الذي يحملهم على تقديس المجرم الذي قال:
بلادك قدسها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم
سلام على كفر يوحد بيننا وأهلا وسهلا بعده بجهنم
وكيف طبقوا هذا الكلام الفاجر بحيث قدس كل أهل بلد بلدهم وسموه بلدة كذا وكذا المقدسة. من أين لهم هذا التقديس؟ وما هو دليلهم على أنها مقدسة؟!!
ثم اسألهم أي كفر سيوحد بينهم؟ أليس الكفر هو الذي يفرق الناس ويطغى بعضهم على بعض؟
وكيف جاز لهذا المجرم أن يستهين بجهنم إلى هذا الحد فيرحب بها في تحد صارخ وعنجهية حمقاء؟!!!
أخي القارئ .. أليس كل ما تقدم ينذر بشر مستطير وتفلت تام؟ أليس هو تراخي عن العقيدة التي أعز الله بها أسلافنا، ولن تقوم لنا قائمة إلا بالتمسك بها؟
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:٥٥].
والله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
هو عدم الوحدة والتفكك السياسي:
لا أحد يذكر أوضاع المسلمين اليوم إلا ويتبادر إلى ذهنه هذه الأبيات إن كان قد سمع بها لشاعر أندلسي يرثي الأندلس وأهلها ويمقت ما هم فيه من كثرة الممالك والزعماء وأنها شر وغرور فارغ.
مما يزهدني في أرض أندلس ... أسماء معتضد فيها ومعتمد
ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالمهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
وحينما كانت الدولة الإسلامية دولة واحدة كانت قوية يحسب لها ألف حساب، ولكن حينما أصبحت دولا وزعماء كثيرون جاءها الأفرنج فإذا هي كهشيم المحتضر، وعرفوا أن التفرق خذلان، ولكن ولات حين ندم.
لقد كان المسلمون دولة واحدة وتحت حاكم واحد قلوبهم كقلب رجل واحد، هدفهم واحد، وكلمتهم واحدة، أشرقت بهم وبعدلهم الأرض، وقوي المسلمون وانتشر نور الإسلام في بقاع الأرض ودخل الناس في دين الله أفواجا، ولا زالت آثارهم شاهدة بأمجادهم إلى يومنا الحاضر.