للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجواب أن هذا فهم خاطىء للحرية؛ فهي لا تكون بإطلاق الشهوات، ولا تكون على حساب الآخرين، فإذا لم تضبط بالشرع أصبحت البشرية كقطيع من البهائم السائبة، لايردعها دين، ولا يزُمُّها حياء، ولا يحكمها عقل. وإذا كانت الغاية من الوجودية هي أن تحقق للإنسان وجوده فإن ذلك مقرر في الإسلام في إطاره الطبيعي، وضوابطه الأصلية، التي تحمي وجوده وكيانه، وليس للإنسان أن يطلق العنان لتحقيق شهواته فيدمر نفسه ويدمر الآخرين (١).

ثم إن الإنسان - أي إنسان - عبد، لا ينفك عن هذه العبودية طرفة عين.

فإذا رضي بعبودية الله - تحرر مما سواه، وإلا تناوشته سائر العبوديات، فصار عبداً للشهوة، أو عبداً للشهرة، أو عبداً للمال أو المنصب، أو عبداً للطواغيت، ونحو ذلك.

ثم إن الحرية المطلقة سبب للشقاء، والدمار، والتفكك، والانهيار.

ولا أدل على ذلك من حال الدول التي يشيع فيها هذا النوع من الحرية؛ فهي تعاني الأمرَّين من السرقة، والشذوذ، والأمراض الجنسية، والانتحار، وما جرى مجرى ذلك مما يطول ذكْرُه.

٣ - قيامها على التناقض والجهل، ومخالفتها للثوابت: فمما يكشف زيف الوجودية أنها قامت على التناقض، والجهل، ومخالفة العلم والعقل، والحقائق الثابتة.

فلقد قدم سارتر وسائر الوجوديين آراءهم على أنها أحكام تقريرية، دون أن تُؤيد بدليل علمي، أو حسي، أو واقعي.

فما قيمة آراء وأفكار من هذا القبيل؟!

إن أي صاحب خيال يستطيع أن يقول أيَّةَ فكرةٍ تخطر في وهمه، فيزينها بصبغة كلامية، ويزوقها بزخرف من القول، ثم يطرحها في ميادين الفكر، ويجعلها مذهباً فكرياً.

ولكن عند النظر فيها لا يثبت لها قدم، ولا يستوي لها ساق. وكما قدم الوجوديون أحكاماً تقريرية بدون أي دليل - أنكروا حقائق يشعر بها الناس جميعاً بدون أي دليل (٢).ونظراً لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع الوجودية إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والأفكار (٣).

٤ - شذوذ روادها وانحرافهم: فلقد قامت الوجودية على أيدي دعاة كانوا جميعاً من الشذاذ، وكانت حياتهم مليئة بالاضطرابات والقلق.

وهذا مما يدل على بطلانها؛ ففاقد الشيء لا يعطيه.

ثم إن كتابات أربابها كانت متسمة بالانحراف والسقوط؛ فهم يُعَنْوِنُونها دائماً بعنوانات ساقطة، ينفر منها الذوق السليم، وتأباها الفطرة القويمة. ومن مقالاتهم في ذلك: القلق، الحائط، الذباب، الغثيان، التمزق، اللامعقولية (٤).

ولا غرو في ذلك؛ فكل إناء بما فيه ينضح.

٥ - آثارها ونتائجها المدمرة: وهذا يدل بجلاء على فساد تلك الفكرة وزيفها؛ ذلك أنها قامت - فيما تزعم - من أجل إسعاد الفرد، ورد اعتباره.

فما النتيجة التي حصلت بالدعوة إليها؟ وماذا حدث من جراء اعتناقها؟ النتيجة كما قيل: تلك آثارنا تدل علينا.

فلقد انتشر التشاؤم والقلق، والحيوانية، والضياع، والخوف الرهيب، والانتحار والتمرد، والأنانية المفرطة.

أضف إلى ذلك ضياع المشاعر الإنسانية، كالمحبة، والرحمة، والإيثار، ونحو ذلك كلها ضاعت في مستنقع الوجودية الآسن.


(١) رواه أحمد (٤/ ٤١١) (٢٣٥٣٦) قال الهيثمي في ((المجمع)) (٣/ ٢٦٦) رجاله رجال الصحيح، وقال ابن تيمية في ((الاقتضاء)) (٦٩) إسناده صحيح، والحديث أورده الألباني في ((الصحيحة)) (٢٧٠٠).
(٢) رواه مسلم (٢٥٧٧).
(٣) (ص ٢٧٩) من الطبعة الثامنة.
(٤) رواه مسلم (٢٨٦٥) وهذا الحديث دليل على ذم العرب ما لم يكن معهم إسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>