ولا يرد على ما وصفهم الله به من الخوف والجبن وحب الحياة ما هو واقعهم اليوم، وقد علوا علوا كبيرا، وصاروا يتحدون الشرق والغرب، ولا يرون العرب إلا كالحشرات الطائرة، فلربما هذا العتو منهم على العرب والمسلمين جزاءا من الله تعالى للمسلمين لتركهم العمل بشرعه ولميلهم إلى الكفار، وللعداوة والتشتت الحاصل في صفوفهم، وسبب آخر وهو الوهن الذي أصاب المسلمين ولا يدري إلا الله تعالى متى يفيق العرب والمسلمون من سباتهم العميق فيرجعون إلى الله تعالى ويحكمون شرعه ويستنصرونه على أعداء دينهم بدلا من قتل بعضهم بعضا وبغي بعضهم على بعض حتى أصبح الكثير يقولون: إذا كان اليهود جبناء فإن المسلمين – وفي أولهم العرب – هم أجبن من اليهود وأشد حبا للحياة منهم.
وهؤلاء نسوا أن أسلافنا المسلمين إنما كانوا ينتصرون بحبهم لربهم وتحكيمهم لدينه والعمل بأوامر الإسلام والانتهاء عن نواهيه، وأنهم كانوا على قلب رجل واحد، هدفهم واحد وتفكيرهم واحد، فنصرهم الله تعالى جزاءا لإخلاصهم وتوجههم إليه عز وجل.
وأما اليوم فقد توزعت أهواء المسلمين وجعلتهم عالة على أعداء الدين، فهذا شيوعي، وهذا بعثي، وهذا اشتراكي وذلك ديمقراطي وهذا تقدمي وذلك رجعي .. إلى آخر هذه الترهات الحمقاء التي ذل المسلمون وتأخروا بسبب تمسكهم بها واعتزازهم بغير دينهم وشرع نبيهم.
والحاصل أنه لابد أن يحصل التفكك الاجتماعي في أوضاع المسلمين وذلك:
في غياب الوعي الإسلامي لابد وأن يحصل التفكك الممقوت بين المسلمين شاءوا أم أبوا.
حين صار بأسهم بينهم فكل طائفة تحارب الأخرى وتبالغ في شراء الأسلحة التي تذهب أثمانها لأيدي الكفار تجار السلاح، وصار حال المسلمين اليوم أقبح من حال الجاهليين في الزمن القديم، فإن الجاهليين كانوا لا يحاربوا إلا الأعداء، ولا يحاربون إخوانهم إلا إذا لم يجدوا العدو الذي يحاربونه على حد قول شاعرهم:
وأحيانا على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا
بخلاف اليوم فإنهم تركوا العدو واتجهوا لحرب بعضهم بعضا والكيد لبعضهم بعضا، وصاروا محل تجارب أعداء الإسلام لأسلحتهم، وصاروا عكس ما أخبر الله به عن أسلافهم الذين قال الله فيهم: أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:٢٩].
إذ يحترم الكافر عند كثير من المسلمين أكثر من احترام المسلم أخاه المسلم، فصار بعضهم أشداء على المسلمين رحماء ضعفاء جبناء أمام الكفار لانبهارهم بما عند الكفار من زخرف الحياة الدنيا، ولجهلهم بدينهم الذي أعز الله به أسلافهم ورفع شأنهم في الدنيا والآخرة.
حين نشأت الأحزاب المتعارضة – كل حزب بما لديهم فرحون – وكثر الكذب في الانتخابات المزعومة، وكثرت الحيل، وارتفعت الثقة عنهم، وصارت لأعداء الإسلام اليد الطولى في توجيه كل تلك الأحزاب التي يضربون بعضها ببعض إن أرادوا، أو يغلبون الحزب الذي يعرفون أنه عميلهم وعدو لدينه ولوطنه فيغلبون جانبه.
بعد أن تفرق المسلمون في الولاء السياسي فيممت كل طائفة وجوهها لدولة من دول الكفر، وفقدوا الولاء والبراء الحقيقيين الذين جعلهما الله علامة بين المؤمنين في ولايتهم لله ولرسوله والمؤمنين.
حين نشأت العصبيات البغيضة التي أماتها الإسلام وأحيتها الجاهلية حيث دان المسلمون بالقومية والوطنية والعنصرية وغيرها من الجاهليات المنتشرة التي غزتهم عن طريق أوربا.
حينما فصلت السياسة عن الدين فأصبح الحاكم بذلك يجب أن لا يكون دينيا لكي يعم عدله جميع الشعب وإلا كان متعصبا لجهة بزعمهم، ونسوا أنه سيكون متعصبا ضد الدين إذا لم يتعصب له كما هو الواقع.