للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيقال هذا الكلام في حق محمد صلى الله عليه وسلم الذي شرفت به هذه البلاد بل كرمت به البشرية، وهل كان صلى الله عليه وسلم مبلغاً عن ربه سبحانه وتعالى، أم أنها عاداته ألزم الناس بها حتى تحولت البلاد إلى معبد لعاداته فأصبحت بيداً غارقة؟!

إنني أتحدى الحربي أن يخرج لنا هاشميا يمكن أن يقال إن عاداته أصبحت عبادة للناس غير محمد صلى الله عليه وسلم.

ثم يقول داعياً إلى الثورة والتمرد على كل شيء ومستهزئاً بالقرآن وتعاليمه:

"بعض طفل نبي على شفتي ويدي

بعض طفل من حدود القبيلة

حتى حدود الدخيلة

حتى حدود القتيلة

حتى الفضاء المشاع من رجال الجوازات

حتى رجال الجمارك

حتى النخاع يهجم الخوف أنى ارتحلنا

وأنى حللنا

وأنى رسمنا منازلنا في الهواء البديل

وفي فجوات النزاع باسمنا

باسم رمح الخلافة

باسم الدروع المتاع

اخرجوا فالشوارع غارقة والملوحة في لقمة العيش

في الماء

في شفة الطفل في نظرة المرأة السلعة

الأفق متسع والنساء سواسية منذ تبّت وحتى ظهور القناع

تشترى لتباع وتباع وثانية تشترى لتباع"

وما يهمني أن أقوله هنا هو التنبيه إلى إفكه الذي افتراه بأن النساء كلهن أصبحن سلعاً تشترى وتباع منذ تَبَّت, وهذا لا شك إشارة إلى نزول القرآن، وخاصة سورة المسد التي تحدثت عن امرأة أبي لهب المشركة التي يرى الشاعر الحداثي أن حديث هذه السورة الكريمة عن تلك المرأة، امتهان لكرامة المرأة وتحويل لها إلى سلعة تشترى وتباع.

أما السبب الثاني الذي حول المرأة في نظرة إلى سلعة فهو ظهور القناع، وهذا إشارة واضحة للحجاب الذي أمر الله به المؤمنات:

"منذ تبت وحتى ظهور القناع

تشترى لتباع وتباع وثانية تشترى لتباع"

إن الحربي يريد من بناتنا ونسائنا أن يخرجن متبرجات ملقيات للحجاب الذي فرضه الله، يختلطن بالأجانب من الفساق ويجلسن بينهم في الصفوف، وبجانبهم على المقاعد.

ومن صور الاستهزاء بهذا الدين ما كتبه محمد العلي في مجلة الشرق عدد ٣٦٢ الصفحة ٣٨ عن المغني معبد، وعن أزمة الفن كما يقول في بلادنا، والتي أورد فيها فكرته بأسلوب ساخر بطريقة المسلمين في حفظ السنة النبوية الكريمة حين قال:

"حدثنا الشيخ إمام

عن صالح بن عبد الحي

عن سيد ابن درويش"

عن أبيه، عن جده قال:

"يأتي على هذه البلاد زمان

إذا رأيتم فيه أن الفن أصبح جثة هامدة فلا تلوموه

ولا تعذلوا أهله

بل لوموا أنفسكم

قالها وهو ينتحب

فتغمده الله برحمته

وغفر له ذنوبه"

هذا الحديث الذي نسجه خيال العلي، ألم يجد طريقة يتحدث بها عن الغناء والمغنين، إلا أن يقلد سند حديث النبي صلى الله عليه وسلم، بل يقلد الحديث الشريف ذاته في ألفاظه.

وأنت أينما اتجهت للبحث والقراءة في أدب الحداثة، ترى التجرؤ على الله ورسوله ودينه.

يقول السريحي في كتابه (الكتابة خارج الأقواس) (ص ٣٧): "من شأن البعد الإنساني الحر الذي تتسم به رؤيا الفنان أن يجعل انفصاله عن الجماعة أمراً قدريا لا مندوحة عنه بحيث يصبح الفنان مصدر حيرة، لا يحلها إلا مثل ذلك الحل الذي يرى أن للفنان شيطاناً يلقي على لسانه ما يقول، وهو حل مع سذاجته إلا أنه واضح الدلالة على حيرة الجماعة وعجزها, حيرة وعجزا يبلغ بهما حد الخروج عن المنطق، كون الفنان يعيش بين الناس ويأكل في الأسواق".

إننا نعلم أن الذي استغرب الناس أكله الطعام ومشيه في الأسواق هو النبي صلى الله عليه وسلم، فهل أصبح الأنبياء في نظر السريحي مجرد فنانين أتوا بما يخالفون به السائد ـ كما يقول ـ؟؟!! وهل يريد السريحي أن يقول: إنه ما دام النبي فنانا، فإنه يجوز للفنان الذي يجيء بعده أن ينقض ما أبرمه النبي ويلغي ما بلّغه؟؟!

المصدر:الحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص٨١ - ٩١

<<  <  ج: ص:  >  >>