ولأنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين لم يكتف بدعوة البشر بل دعا صلى الله عليه وسلم الجن أيضاً فانقسموا وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا [الجن:١٤]، قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إلى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجن:١ - ٢]، وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إلى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ [الأحقاف:٢٩ - ٣٢].
إن هذا الانتشار الواسع لأمة جاءت في ختام الأمم، لدليل يبين أن لديها من الخصائص والمميزات ما لا يوجد في سواها.
كما أن لسيادتها وظهورها في عصرها الأول عندما قام أهلها بها حق القيام، لدليل على صدق الوعد بظهورها في الآخرين على سائر الملل.
فإذا سرنا على نفس الطريق تحقق الوعد الإلهي بظهور هذه الدعوة وقبولها على نطاق واسع، وإذا تأخرنا تأخر، وبشائر الحاضر بحمد الله حاضرة شاهدة، فعجلة الدعوة رغم النكوص والعراقيل والحواجز والسدود لم تتوقف وإن تباطأت، فدعوة الإسلام -بحمد الله- في اطراد مستمر، والناس يدخلون في دين الله يوماً بعد يوم، رغم ضعف الآلة الإعلامية والمقومات المادية الأخرى.
ومتى رجع المسلمون لسابق عهدهم وترسموا خطى سلفهم، ازدادت قوة دعوتهم، وانتشرت ثقافتهم واكتسحت، كما ظهر الصدر الأول وعلا في سنوات قلائل.
ومن البشائر أيضاً أنه ليس ثمة مكان -بحمد الله- في أرض الله يخلو من مسلم، وهذا يدل على مواءمة دعوة الإسلام وثقافته لكافة المجتمعات، وعلاجها لظروف أي زمان ومكان، وليس هذا تنظيراً علمياً بل هو واقع عملي.
وليس معنى هذا أن دعوة الإسلام خاضعة للتشكل كالطين أو العجين، يلعب به الصبيان فيصورونه كيف شاءوا، ولكن المراد بيان أن في شريعة الله علاجاً لكافة أوضاع البشر أين كانوا وأيان وجدوا، وأن من تمسك بها فهو موعود بالحياة الطيبة، وكل المطلوب ممن أرادها هو أن ينهل من المعين الصافي الذي نهل منه الصدر الأول، دون أن يحاول تغيير مجراه، أو تحسين محتواه، فالذي وضعه عليم خبير، والذي أداه حريص أمين.
فالواجب أن نؤدي ما علينا من تبليغ دعوة الله، فنأخذ بالأسباب المادية ونضع الخطط والبرامج الاستراتيجية، والله قد كفل القبول والعالمية.
المصدر: رسالة المسلم في حقبة العولمة لناصر بن سليمان العمر ص٤٠