للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ساعد على تعميق الإلحاد الشيوعي تلك النظريات الكثيرة والشبه التي سموها حقائق لمعرفة هذا الكون وقيامه على القوانين التي عرفت أخيرا مثل قانون الجاذبية الذي أرسى كل شيء في الوجود في مكانه وقانون تجمع أجزاء المادة التي انفجر عنها هذا الكون وغير ذلك مما زعموه مؤيدا لنظريتهم الملحدة فحجبت تلك المفاهيم – الخاطئة للشيوعية والنصرانية – العقل عن التعلق بموجد لهذا الكون، وأن مجرد التفكير فيه يعد رجعية ولهذا – كما سمعنا – أن الروس قتلوا العائدين من سطح القمر في أول رحلة فضائية لأنهم أيقنوا أن لهذا الكون موجدا وما إن أطل القرن التاسع عشر الميلادي إلا وقد ظهر قرن الشيطان وساد القول بسيادة الطبيعة على الدين والعقل فهي الحاكم المطلق والإله الذي لا ينازع وقد تولى كبرها "أوجست كونت "، و "فرباخ"، و "ماركس"، و "انجلا" بدافع قوي من الحقد الشديد على رجال الدين الكنسي الذي يمثل حسب تعليلهم قوة ما وراء الطبيعة من الأمور المغيبة والروحية التي اعتبروها وهما وخداعا لا حقيقة له لعدم اندراجها تحت قوة الإحساس والإدراك المباشر وأن الالتجاء إلى ذلك الغيب إنما نتج عن الوراثة والبيئة والحياة الاجتماعية في تلك الأزمان المختلفة بزعم دعاة الإلحاد.

ولقد ظلت الشيوعية قرابة سبعين عاما في صولة وجولة قوية مزبدة يحسب لها حسابها إلى أن أذن الله بزوال قوتها بقدرته وحده إذ ما كان أحد يفكر في النيل منها، فإذا بها يأتيها حتفها بظلفها على يد آخر زعيم لما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي وهو " ميخائيل جورباتشوف " وأفل نجمها وجبروتها وثارت الشعوب واقتصوا من كل الظالمين.

والآن وبعد أن تبين المصير النهائي للماركسية الشيوعية أقول: إنه من الغريب جدا أن تموت الشيوعية في عقر دارها – الاتحاد السوفيتي سابقا – وأن تكشف الشعوب أن هذا المذهب فاشل باطل لا يجر إلى خير، بل إلى الخراب والدمار وإثارة البغضاء وانتشار البطالة والفواحش، وأن الجنة الأرضية التي وعد بها " كارل ماركس " إن هي إلا سراب خادع وآمال كاذبة وأن تعاليمه إن هي إلا جحيم لا يطاق وتعاسة وشقاء. وأن الشعوب كانوا يساقون إلى الموت وهم ينظرون طائعين أو مكرهين وإن في التخلص من هذا المذهب راحة لا تعدلها راحة وفوزا لا يعدله فوز فهبت تلك الشعوب المظلومة لتنفض عنها غبار تلك السنين العجاف ثم داسوا مبادئ " ماركس " ونظرياته تحت نعالهم ويتنفسوا الصعداء وبعضهم قام بشنق تمثال بعض طغاة الشيوعية القدماء وبعض الحكماء الحاليين وقالوا: لا رجعة للشيوعية هنا (١).

أقول من الغريب أن يحصل هذا وأكثر منه في تلك البلدان التي ذاقت مرارة التعاليم الشيوعية وفرحت بانقشاعها عنها ثم تقوم بعض الأحزاب في البلدان العربية الإسلامية بالمناداة باعتمادها كحزب شيوعي شرعي وأين الشرع من تعاليم " ماركس " ثم تقوم بعض الحكومات باعتماد تلك الأحزاب والترخيص لهم بدخول المجالس النيابية والبرلمانية وما إلى ذلك كما سمعته من دولة إسلامية عربية في إذاعتهم المسموعة. إن الأمر يدعو إلى العجب – قبح الله تلك الأحزاب وقبح الله من يسمح لهم - أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:١٧٩].

ولقد قيل في المثل: العاقل من اتعظ بغيره "، فلماذا لا يتعظ هؤلاء بمن قد ذاق الحياة الشيوعية البائسة وضاق بها ذرعا أليس لهؤلاء قلوب يعقلون بها وأعين ينظرون بها وآذان يسمعون بها فيكفون عن التعلق بالشيوعية الحمراء وبتقديس زعمائها الذين لا يساوون قيمة نعالهم.

إن الأمر واضح وجلي ولولا أن مؤامرة جديدة أيضا تهدد العالم في ثوب جديد وبأسلوب جديد قد يشعر الناس به وقد لا يشعرون. وما أكثر النكبات التي يدبرها شياطين الإنس والجن للمغلوبين على أمرهم تحت مختلف الشعارات البراقة الخادعة من دعاة الماسونية اليهودية العالمية الحاقدة على الجوييم وما يمتلكونه من حضارات وقيم ومرور الأيام والليالي كفيلة بإيضاح كل ما يبيتون والله لهم بالمرصاد.

المصدر:الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي


(١) ([٤٠٤]) ا ((لعولمة الحركات الاجتماعية والأمميات الجديدة))، لبيتر وتر مان.

<<  <  ج: ص:  >  >>