٩ - الإنسان يستحسن أشياء كثيرة ويستقبح أشياء كثيرة ويسن لنفسه ولغيره قوانين وأنظمة يسير بموجبها وهي صفات خاصة به تدل على سموه وشرفه. ١٠ - للإنسان خيال واسع وإدراك قوي يخطط للحاضر وللمستقبل وهذا الخيال الخصب لديه ميزة خاصة به يختار أمورا ويترك أخرى وينظم مساراته للمستقبل وفق ما يريده وكأنه على معرفة مسبقة به (١).
إن كل هذه الصفات وغيرها مما تحلى به الإنسان لهي صفعة في وجوه الملاحدة الذين سلبوه صفاته التي ميزه الله بها وشرفه بالتكليف والعمل لدنياه ولآخرته وجعله مستخلفا في الأرض لإحيائها فهل يصح أن يقال بعد ذلك أن الإنسان مادة مجردة عن أي اعتبار أو أنه حيوان تطور بفعل مرور الزمن أو غير ذلك من نظرياتهم الفاسدة وأنى لمادة صماء أن تخلق إنسانا تتوفر فيه تلك الصفات العالية والفضائل الرفيعة والتركيب العجيب، وأنى لفاقد الشيء أن يعطيه فهل يفيق الملاحدة وهل يتركون استهتارهم بهذا الكائن العظيم؟ ويحترمون روحه وفكره وأصله الذي شرفه الله تعالى بخلقه بيده تشريفا وتكريما له وأسجد له ملائكته المسبحة بقدسه؟
التفسير المادي للقيم الإنسانية
وحينما قرر الملاحدة أن الإنسان مادة أصبح مفهوم القيم من الأمور التي لا قيمة لها إذ المادة لا تتصف بأي قيمة روحية أو نفسية أو خلقية وهذا هو الواقع الذي قرروه وأن القيم كلها ليس لها صفة ثابتة وإنما هي إنعكاس للأحوال الاقتصادية فلا حقيقة لها إطلاقا إلا أنه لم يكن بإمكان الملاحدة أن يتجاهلوا وجود هذه القيمة التي يتمثلها الناس قديما وحديثا في حياتهم وفي تعاملهم في أمور ظاهرة فاخترع الملاحدة لها تفسيرا يشوهها ويهون من مكانتها المرموقة، بل ويقضي عليها في النهاية قضاء تاما.
وهذا التفسير المادي للقيم يتمثل في الأمور الآتية:
١ - تضخيم العامل المادي والاقتصادي وجعله أساس كل شيء في حياة الإنسانية وجعلوا الأخلاق والقيم كلها تابعة لحالة الإنسان الاقتصادية، وتبادله المنافع مع الآخرين وأن الوضع الاقتصادي هو الذي يحدد مشاعر الناس وأفكارهم وعقائدهم وكل قيمهم.
٢ - زعموا أن كل القيم لا ثبات لها أي لم تنشأ عن دين أو توجيه إلهي وإنما هي تابعة لتطور الإنسان في المادة هبوطا وارتفاعا، خيرا وشرا، وأن كل القيم المعنوية إنما هي انعكاس للوضع الاقتصادي لكل أمة.
٣ - جعلوا الدين هو المصدر الفياض للأخلاق والقيم جعلوه محل سخرية واستهزاء وإن كل تلك القيم إنما نشأت عن عوامل اقتصادية لا عن الدين الذي تذكره الكتب السماوية والذي يصورونه كعدو لدود للقيم الإنسانية.
٤ - ونشأ عن ذلك الاستهزاء بالحق والعدل الإلهي الذي أكدت عليه جميع الشرائع الإلهية فزعموا أن ذلك لا حقيقة له إلهية وإنما هو تابع للأحوال الاقتصادية التي أوجدته وهي التي تمليه على الناس في أحوالهم المختلفة من فقر وغنى وكثرة وقلة وحب وكراهية.
لقد أرجع الملاحدة الشيوعيون كل القيم إلى حال الناس بالنسبة للمادة فقسموا المجتمع إلى قسمين:
١ - المجتمع الزراعي.
٢ - المجتمع الصناعي.
(١) [٤٥٨]- يقصد بالذي تولى: نبينا محمد.