للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الآيات وغيرها تجعل الإنسان يقف على حقيقة وجوده ووجود من حوله ووجود هذا الكون كله وما فيه توقفه على مصدر التدين ومستحق العبودية وتشبع فطرته عن كل تساؤلاته حول هذه الحياة وما بعدها في العالم الآخر وتثير في فطرته ما كان كامنا في التوجه إلى خالق هذه الحياة وإلى الرغبة الكامنة في الالتجاء إليه والخضوع والعبادة له، وهذه الفطرة هي التي يشعر الإنسان بواسطتها عظمة الله والرغبة في الخضوع له والدليل على ذلك أنه لم يخل جيل من الأجيال على امتداد التاريخ من التدين والتوجه إلى الله وهذا ما أخبر الله عز وجل عنه: وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِير [فاطر:٢٤]

وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:١٥]

وهذا هو الحق ولا اعتبار لكلام الشاذين الساقطين الملاحدة الممسوخين الذين: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:١٤]، الذين حاربوا الدين النصراني ظانين أنه الدين الصحيح ثم غمرتهم النشوة بانتصارهم عليه وما علموا أنهم إنما حاربوا دينا مزيفا كاذبا من وضع الطغاة المشركين عباد الصليب وأحبار الشيطان ولهم أن يحاربوا كل الجاهليات ومن ضمنها هذا الدين ولكنهم انحرفوا عن مكان المعركة الحقيقية فحاربوا النور وغيروا الحقائق لينفسوا عن غيظهم وحقدهم الشديد على طغاة الكنيسة الذين أذاقوهم ألوان الذل وشر الاستعباد وليحققوا أيضا ما تطمح إليه اليهودية العالمية ويجب أن يعلم أولئك الأشرار أنه ما من فترة مرت من فترات حياة البشر إلا وكان توحيد الله نورا وضاء لم يخل منه مجتمع في يوم من أيام حياة البشر لم يكن للفن ولا للفنانين فيه أي شيء يذكر ولا للفكر أو التجربة أي دخل كما يدعون.

وأما ما يذكره الملاحدة من أن الإقطاعيين والرأسماليين كانوا يستخدمون الدين كمخدر للجماهير ليرضوا بالذل والظلم عليهم في مقابل أن يعيشوا في جنة الله في الآخرة فهذا أمر قد يكون وقع كذلك. ولكن ما هي العلاقة بين الدين الحق وبين فجور طغاة الكنيسة وجشع الرأسماليين المرابين، بل كان الأولى أن يوجه اللوم إلى أولئك الذين رضوا بهذا الحال ولم يبحثوا عن مخرج لهم أو عن صحة تلك الوعود من أولئك المنتفعين أو أن يخاصموا أولئك الأشرار الجشعين ويصلحوا الأمور لا أن يحاربوا الله ورسله وهل يجب أن يلغى الدين لمجرد استغلال أولئك الأشرار له، وما هو ذنب الدين إن لم يحكم ولم يستشر بل وضع في قفص الاتهام دون رحمة أو لين ولماذا يحمل تبعة أخطاء الآخرين بل أخطاء أعدائه، وما هو السر في أن الملاحدة لم يرجعوا إلى الدين حتى بعد أن تبين لهم أن طغاة الكنيسة والرأسماليين والإقطاعيين سلبوا الناس عقولهم وتفكيرهم باسمه وهو منهم بريء.

إن الجواب واضح وهو أن الملاحدة قد بيتوا النية لمحاربة الدين ليستغلوا الناس هم أيضا باسم الإلحاد الذي سموه تقدما ورفاهية وغير ذلك من الأسماء الكاذبة وقدسوه ليحل محل الكنيسة والكل ظالمون ومخادعون.

المصدر:المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي ٢/ ١١٣٣

<<  <  ج: ص:  >  >>