ومن الأمثلة على تناقضهم زعمهم أنهم يحاربون الطبقية، ومع ذلك فإن الطبقية في المجتمع الشيوعي قائمة على أشدها، وقد مر بنا كيف كان العمال وعامة الناس في المجتمع الشيوعي يعيشون عيشة الشظف في الوقت الذي يتمتع أعضاء الحزب الشيوعي بأقصى درجات الترف والنعيم.
٦ - الإخفاق في التطبيق: فهذا دليل على بطلانها، ولقد مر بنا كيف كان حال المجتمع الشيوعي بعد تطبيق الشيوعية.
لقد عجز الشيوعيون عن تطبيق المساواة، وعجزوا عن إسعاد المجتمع، وحل مشكلاته؛ فكلما خرجوا من نفق دخلوا في نفق آخر أشدَّ حلوكة، وكلما حلوا مشكلة نتج عنها مشكلات، وكلما ولوا وجوههم وجهة تبين فيها النقص والخلل والاضطراب.
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:٨٢].
أين هذا من دين الإسلام، الذي هو الطريق الوحيد لحل جميع المشكلات، سواء مشكلات العلم، أو مشكلات الفقر، أو مشكلات السياسة أو غيرها من المشكلات.
فمن المشكلات التي اضطرب فيها الخلق مشكلة العلم؛ فإنه إذا صح صحت العقائد والأفكار، وصلحت الأعمال المبنية عليه.
وشريعة الإسلام حضت على العلم، بل فرضت على العباد أن يتعلموا جميع العلوم النافعة في أمور دينهم ودنياهم، وتكفلت مع ذلك ببيان العلوم وتفصيلاتها.
أما علوم الدين فقد فصلتها تفصيلاً بعد ما أصلتها تأصيلاً، وأما العلوم الدنيوية فقد أسست لها الأصول والقواعد.
وبهذا يسير العلم الصحيح على الطريق المستقيم؛ فيجتمع علم الدين إلى علم الدنيا، وما يتعلق بالروح إلى ما يتعلق بالجسد.
قال - تعالى -: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ... [الإسراء:٩]، وقال: وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الأحزاب:٤].
فجمع - عز وجل - في هاتين الآيتين بين علم المسائل الصحيحة وهو الحق النافع، وبين علم البراهين وهو هداية السبيل الموصلة إلى كل علم، المبرهنة على جميع المعارف.
وكذلك مشكلات الغنى والفقر؛ فالدين قد حلها حلاً تتم به الأمور، وتحصل الحياة الطيبة؛ فكما أمر بسلوك الطرق المشروعة في أسباب الرزق المناسبة لكل زمان ومكان وشخص - فكذلك أمر بالاستعانة بالله في تحصيلها، وأن تجتنب الطرق المحرمة، وأن يقوم العباد بواجبات الغنى المتنوعة من زكاة وصدقة، ونحوها.
وكذلك عند حلول الفقر أمر بالصبر، وترك التسخط، مع السعي في طلب الرزق بأنواع المكاسب والأعمال ونهى عن الكسل المضر بالدين والدنيا.
ومع أمره بالصبر وفعل الأسباب الدافعة للفقر - نهى عن ظلم الخلق في دمائهم وأعراضهم، وأخذ حقوقهم بغير حق كما هو دأب الفقراء الذين لا دين لهم.
ومن ذلك مشكلات السياسات الكبار والصغار؛ فالشيوعية تقوم على البطش والاستبداد.
أما الإسلام فقد أمر بحلها، وذكر الطرق الموصلة إلى ذلك بفعل ما توضحت مصلحته، وترك ما تبينت مفسدته، والمشاورة في الأمور المشكلة والمشتبهة.
وبالجملة فما من مشكلة دقت أوجلت إلا وفي الشريعة الإسلامية المحضة حلها بما تصلح به الأحوال، وتستقيم في جميع الوجوه (١).
٧ - قواعد الأخلاق العامة: فهي ترد على دعاوي الشيوعية وتبطلها؛ فأين الشيوعية من الصدق في الأقوال والأفعال؟ وأين هي من النصيحة والأمانة، والبر، والصلة، والقيام بحقوق الجيران، والأصحاب والمعامَلين، ومن يتصل الإنسان بهم على اختلاف طبقاتهم؟.
(١) انظر ((رسائل الإصلاح)) للشيخ محمد الخضر حسين (١/ ١٢٥ - ١٢٦) و (٢١٥ - ٢١٦) , و ((السرطان الأحمر)) (٩٩ - ١٠٦) , و ((الإلحاد أسباب هذه الظاهرة وطرق علاجها)) , و ((رسائل في العقيدة للكاتب)) (٤٦ - ٤٨).